إستبق الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي الخطوات الدولية ، التي ربما تشكل رأيا سلبياً ، تتبعه قرارات لا تأتي في مصلحة المكون العسكري ، الذي أصبح واضحاً في طريقة تعامله مع شريك الحكم ، والتي تنتهج اسلوب عرقلة مسيرة التحول الديمقراطي ، إن كان بالعناد او بالمكايدة او بعدم الحسم لكثير من القضايا التي تهدد فترة الحكم ، وتعنت المكون العسكري في مواصلة العمل من اجل إكمال الفترة الانتقالية ، وفشله في حفظ الامن ، وتصريح قادته في عدد من خطاباتهم ذات اللهجة الحادة التي لمحوا ولوحوا واخيرا صرحوا فيها بعدم رغبتهم في تنفيذ بنود الاتفاق
استبق هذه الخطوات وبعث برسالة الي مجلس الامن والأمين العام للأمم المتحدة ، وقال البرهان: ( نمضي قدماََ في وضع وتنفيذ برامج للعدالة الانتقالية والاستفادة من الإرث الدولي والإقليمي في هذا المجال، كما نعمل على استكمال هياكل السلطة الانتقالية، بقيام المجلس التشريعي وغيره من المفوضيات والآليات على الرغم من العقبات واضاف اننا سنعمل على منع أي محاولات لإعاقة مسار العملية الانتقالية من أية جهة) .
واتسمت رسالة الفريق البرهان باللطف واللغة الهادئة بالرغم من انها بُعثت في اجواء متوترة ، وسبقتها تصريحات ساخنة من المكون العسكري الذي علق اجتماعاته مع المكون المدني وقال انه لايمكن ان يجلس معهم من جديد ، ولم يقرأ المطالع لرسالة البرهان بين سطورها اي تعبيرا بعدم الرضا من اداء الحكومة التنفيذية او عدم رغبة المكون العسكري في الجلوس مع الشق الآخر للحكومة ، إن كان بسبب فشله او لسبب آخر كما وصفهم من قبل
كما ان البرهان قال في رسالته انه متمسك ببنود الوثيقة الدستورية التي تحكم الشراكة الحالية بين العسكريين والمدنيين، مؤكداً حرصه على استكمال مسار العملية الانتقالية ، الأمر الذي يتعارض مع تصريحاته عندما قال لن يجلس معهم وتصريحات نائبه الذي قال انه لن يسلم الشرطة للحكومة التنفيذية في اشارة مباشرة لخرق هذه البنود التي أكد البرهان الالتزام بها امام مجلس الأمن
ومجلس الأمن يعلم كل الذي يدور في الساحة السياسية في السودان ، والمجتمع الدولي باكمله يراقب عن كثب العلاقة بين الطرفين والتي تمر بحالة حرجه ، كما ان كل التصريحات المتبادلة والتراشق الاعلامي وتعليق الاجتماعات اكدت للعالم ان الشراكة بين العسكريين والمدنيين في أسوأ مراحلها هذا الحال الذي لن تستطيع أن تخفيه سطور الرسالة
لكنها ربما تكون محاولة لدفع الاتهام بعيداً عن المكون العسكري ، لاسيما أن آخر محاولة صُلح بين الطرفين والتي يقودها الاستاذ محجوب محمد صالح والأستاذ المحامي نبيل اديب لرأب الصدع بينهما باءت بالفشل لكن هذه المرة ليست بسبب رفض البرهان الجلوس مع المكون المدني ولكن بسبب تشدد المدنيين
فقادة الوساطة التقوا برئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لكنهم لم يجدوا استجابة من المكون المدني
ورفض المكون المدني ربما يجلب كثير من المتاعب للمكون العسكري ، اولا لانه المبادر بعدم احترام الشريك المدني عندما رفض الجلوس معه وقال انه لامانع من الجلوس مع رئيس مجلس الوزراء ، فربما استخدم هذه الطريقة للتهديد فقط لكن تعامل المدني معها على محمل الجّد هو الذي اربك المشهد
فالبرهان يبدو انه تراجع عن موقفه ، لكن لم يغفرها له المكون المدني ، وهذا ايضا من الاسباب التي تدفع البرهان لمخاطبة مجلس حتى لايتم تدويل القضية التي ربما يعتمد فيها المكون المدني على ادلة واضحة تدين العساكر لخرقهم الاتفاق وعدم التزامهم بمبادئ الشراكة ونيتهم القفز على الوثيقة الدستورية ، خاصة ان المدنيين يتمتعون بدعم خارجي كبير والآذان الصاغية لهم أكثر من تلك التي تسمع من البرهان
فرئيس مجلس السيادة شعر بخطورة الموقف وان القضية التي استخدموا فيها عدة اساليب لتخويف المدنيين داخلياً ، أتت بنتائج سلبية، فمع تصدى المكون المدني بقوة للابتزاز السياسي في الخطابات العسكرية ، خارجياً اعلن المجتمع الدولي دعمه ومساندته للمدنية ، لكن وان عادت المياه الي مجاريها في السودان ، لن تعود ثقة المجتمع الدولي في البرهان والمكون العسكري
وستشهد الايام القادمة مزيدا من التراجع في المواقف المتشددة من قبل العسكرين فرسالة البرهان لمجلس الأمن وتعهده والتزامه بمسار العملية الانتقالية ومنعه لكل من يعمل لإعاقة هذه المسيرة ربما تتبعها حلول سريعة وعاجلة لقضية الشرق ، حتى نائب رئيس مجلس السيادة الفريق محمد حمدان دقلو استبدل أسلوبه العدائي بالأمس وقال :(انهم سيلزمون الصمت في هذه الفترة )
فهل تكون هذه الرسالة التي بعث بها البرهان هي اولى خطوات التراجع من المواقف المتشددة للعسكريين ؟.
طيف أخير :
التغيير يجب ألا يكون مجرد فكرة ، بل حقيقة يراها الناس