* يكثر الحديث هذه الأيام عن صعوبة المرحلة القادمة بطريقة تُشعر الإنسان أن الاصلاح مستحيل، وأن الثورة التي نجحت في القضاء على النظام البائد لن تنج في وضع السودان في الطريق الصحيح. صحيح، هنالك صعوبات ومشاكل كثيرة، ولكن الحديث عنها بمثل ما نقرأه ونسمعه، وتخويفنا من صعوبة أو استحالة تحقيق الإصلاح والنهوض بالوطن، فيه استهانة بقدرتنا كشعب ومن إمكانياتنا وخبراتنا ومواردنا الطبيعية، وتعجيز للناس، وتكسير للمجاديف.
* من الطبيعي جدا أن تبنى الدول بالجهد والعمل الدؤوب المخلص والعرق، بل بالدموع والدماء في كثير من الأحيان. ليس الدول فقط بل ان بناء حائط او منزل او تجارة او اى عمل آخر يحتاج الى جهد ومثابرة وصبر ومراجعة وهدم وإعادة بناء ..إلخ وقد تواجهه الكثير من الصعوبات والإخفاقات والفشل، ولكن بالصبر والعزيمة والاخلاص والتخطيط الجيد واستغلال الموارد المتاحة بأفضل ما يكون، يتحقق النجاح. من طلب العلا سهر الليالي ** ومن خاض البحر وجد اللآلئ (حافظ إبراهيم). كما ان مذاق النجاح السهل ليس جميلا مثل مذاق الذى يتحقق بالعرق والدموع، ولن يصمد أمام الرياح، فما يأتي بسهولة يضيع بسهولة، كما يقولون.
* لست مع الذين يرددون القول ويخيفون الناس بأن المرحلة القادمة هى الأصعب في طريق الثورة، وان التي انتهت هي الأسهل. التي انتهت هي الأصعب، والقادم مهما كان صعبا وقاسيا فلن يكون بصعوبة وقسوة إسقاط النظام البائد والمشوار الممهور بالدم والآلام والمعاناة الذى مشيناه طائعين لحماية ثورتنا ممن كانوا يريدون اختطافها وإجهاضها بإيعاز ومساعدة الذين لا يريدون لنا الخير والحرية والكرامة، ولا يتمنون لنا النهوض حتى نظل عبيدا لهم نتسول الصدقات. ولكننا كنا على قدر المسؤولية وقدر التحدي، وتصدينا لكل المؤامرات بإصرارنا على مواصلة المشوار الصعب وعلى الصمود وتقديم التضحيات الغالية، وبذل الدم والروح من اجل أن نعيش أحرارا في وطن حر عزيز، فلم يجد المتآمرون إلا أن يخضعوا لنا ويسلموا بمشيئتنا، وهم صاغرون منكسرون.
* تلك هى المرحلة الأصعب التى مهرها الشعب السودانى بالدم والدموع ، وقدم من أجلها أغلى التضحيات. شباب واطفال في عمر الزهور سنظل نبكى عليهم ونحزن لفراقهم طول العمر، ولن يرتاح لنا بال إلا بعد الأخذ بثأرهم رغم أنه لن يعيدهم إلينا. عزاؤنا الوحيد أنهم يعيشون في قلوبنا، وستظل تنبض بهم.
* نعم، كانت هى المرحلة الأصعب، واسمحوا لى أن اقول لكم باللهجة السودانية الحبيبة الى نفسى: ” اوعوا تخلوهم يخوفوكم ويقولوا ليكم المرحلة الانتهت دى هى السهلة، ويا داب المرحلة الصعبة بدت وقدامنا مشاكل متلتلة لو ما حليناها ما حنمشى لى قدام. انحنا انتهينا من اكبر مشكلة فى تاريخ السودان الحديث والقديم … مشكلة تجار الدين والدولة الدينية التى كانت ستعصف بوحدتنا وحضارتنا وثقافتنا وبلدنا، وتنتهى من حاجة اسمها السودان والسودانيين. ما دام الشعب السودانى موجود والسودان موجود، الباقى هين”.
* معركتنا الاولى الآن هي تحرير كل أجهزة الدولة من تجار الدين، لأن من تجرأ على الله وعلى الدين، لن يتردد في التجرؤ على اى شئ آخر، يقتل، يغتصب، يخرب، ينهب، يسرق، يعمل أى حاجة .. ويجتهد في وضع العراقيل أمامنا كى يمنعنا من تحقيق تطلعاتنا والنهوض ببلادنا .. حتى نظل اسرى لتجارته الفاسدة !!
الجريدة