لم تجيء زيارة النائب الأول لرئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو ، أمس الى طيبة الخواض بولاية نهر النيل ، من محض صدفة ، ولم تكن زيارة كما حملت الاخبار انها بغرض التبشير باتفاقية السلام ، ولا حتى لتلمس قضايا المواطن هناك ، فالزيارة لها ابعاد سياسية عميقة ، واضحة وبينة كشمس الصباح عندما تعانق رمال كردفان ، فحميدتي يجد نفسه منذ اكثر من شهر خارج دائرة الاهتمام وبعيدا عن منصة المشهد السياسي ، لم ينجح في مهامه الأمنية، وان الذي حدث من انفلاتات في ولاية الخرطوم ومدن اخرى اثبت ان حميدتي ليس رجل الامن الذي سقف لحماية المواطن كما قدم نفسه بعد التوقيع على الوثيقة الدستورية وبما انه ليس رجل السياسة ، فهو نفسه الذي لم يحالفه الحظ عندما قدم نفسه كرجل اقتصادي ، فالرجل بات بريقة يخبو يوما بعد يوم لاسيما ان جهوده المضنية لتغيير صورة قواته ضاعت هباء منثورا ،لذلك دخل الرجل في لعبة جديدة ومسرحية هزيلة وهي اعلاء الصوت القبلي والمناطقي على صوت الوطن وبدأ خطابه في الايام الماضية يخرج بمقاساً ضيقاً بعد ما استخدم فيه خيوطا من طراز عنصرية الجغرافيا ، تلك اللهجة التي لاتتماشى مع ادب واهداف الثورة المجيدة ، فالتبشير بالسلام بهذا الوفد الكبير الذي يضم اعضاء أطراف السلام كان يبدأ اولاً بالمناطق التي عانت من الحروب أبان حكم المخلوع ، والتي استمرت بعد الثورة وحتى بعد توقيع اتفاقية السلام ، التي عندما كان حميدتي يحتفل بالسلام بساحة الحرية كان عشرات من المواطنين الابرياء يموتون في عدد من مدن السودان ، من بينها تلك المدن التي رفعت الجبهة الثورية شعارات التفاوض بإسم إنسانها وفاوضت بقضاياها و انفضت اجتماعاتها والتأمت بحجة الحصص والحقائب الوزارية ومقاعد البرلمان تحت لافتة إقليمها ، هذه الزيارة التي كان يجب ان تكون الى نيرتتي التي عندما شوهت الشمس فيها وجوه المعتصمين ، كانوا يمسحون عرق جباهم صبرا في انتظار واحد من ابناء الإقليم من قادة الكفاح المسلح ولم يأت احد .
فحميدتي عندما منح لقب رجل السلام في ساحة الحرية ، كان دخان الحرائق يحجب السماء في عدد من المدن والولايات لهذا يجب على الوفد الذي يرافق حميدتي والمكون كل من عضو مجلس السيادة الاستاذ الطاهر حجر رئيس تجمع قوى تحرير السودان وعضو المجلس الدكتور الهادي ادريس رئيس حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي ووزير المالية الدكتور جبريل ابراهيم رئيس حركة العدل والمساواة والسيد مني اركو مناوي والذين قالوا انهم ذهبوا لتلمس معاناة المواطن هناك ان يعلموا ان مدينة المتمة نهبت مشاريعها الزراعية عنوة من قبل حكومة المخلوع على عينك يامواطن وبيعت الى الأجانب بل الآف الأفدنة من الاراضي الزراعية تم استئجارها لمدة مائة عام دون تعويض لاصحابها، في قرى نهر النيل ماتت عشرات النساء في المستشفيات في عمليات الولادة بسبب تدهور البيئة الصحية ونقص المعدات ، وعانى الآف التلاميذ من تلقي الدروس في فصول بلا سقوف ، واشتكت عشرات القرى من نقص الكوادر الطبية في المراكز الصحية ، في جنوب المتمه، قبل ايام حتى بعد مجيء حكومتكم الموقره ناشدت مدرسة اساس اهل الخير لشراء ( كولر ) مياه لأن مايقارب ٣٠٠ طالبة يتشاجرن يوميا امام ( صبارة ) مياه التي ينتهي فيها ( لوح الثلج ) قبل انتهاء الحصة الثانية وتواصل الطالبات باقي اليوم الدراسي ظمأ، فالمتمة مدينة ظلمت من حكومة من رحمها وما (اسوأ ظلم أولى القربى ) ، فالمدينة لاتحتاج الي تبشير بالسلام لأنها مدينة مسالمة لاتعرف معنى الكراهية ولاخطابها اللعين ،ولكنها ستكون دليلاً و شاهدا على ظلم وتهميش انسان نهر النيل ، الذي لاتقل معاناته عن مناطق اخرى قد تكون أنصفتها حكومة الثورة ، ولكن نهر النيل ظلمتها حكومة المخلوع وستعاني ذات الظلم من حكومة الثورة .
لذلك ستبقى قضية هذه المدينه وقراها ( معلقة ) في رقاب الوفد الزائر الذي اصبح اليوم على دفة القرار فبعد ان شاهد التهميش هناك ، فأما ان يرفع هذا الظلم بقرارات فورية لمصلحة المواطن هناك لطالما انه قال انه يزورها( ليلتمس قضاياها ) او انه سيكون ظالما كما كانت الحكومة قبله ، وان الزيارة اهدافها سياسية بعيدة عن المواطن وهمومه .
نتمنى ان تكون الزيارة بجلباب قومي لقادة يهمهم الوطن والمواطن فعلاً ، يعلوا فوق الصغائر والضغائن السياسية ، زيارة لم يقصد منظمها ومهندسها إرسال ( مسج ) جوفاء لانها ستصل فعلاً ولكنها في البريد الخاطيء ، فنهر النيل اول من رفعت شعار كل البلد دارفور ، بها انسان عزيز وكريم أصيل ولعل الحشود المستقبله خير دليل على نقاء إنسانها وطيبته الذي يدرك فعلاً قيمة الأخاء والتسامح ومعاني الوطنية الحقيقية بعيد عن الشعارات الزائفة .