ما بين أستاذ أحمد الخير وجون بومبيه ماغوفولي رئيس تنزانيا المنتخب حديثا، العديد من أوجه الشبه، لعل أبرزها أن كليهما اصبح أيقونة في بلاده، والإثنان ولجا عالم السياسة وهما بالأساس يعملان بمجال التدريس وتحديدا تدريس )الكيمياء(. وهو ما دعاني اليوم للكتابة عن النموزج التنزاني الذي بهر العالم بقوة الإرادة والعزيمة في مواجهة الفساد وضرب أوكاره، والنهوض بالدولة لتقف شامخة أمام العالم بعد أن وحلت في العفن لسنوات ولم يخرجها منه إلا البلدوزرماغوفولي. الذي وضع نصب عينيه هدفين، تقليل الانفاق الحكومي ومكافحة الفساد.
لم يتسنى لنا كسوادانيين أن نعيش في كنف رئيس جمهورية نفخر ونفاخر به بين الامم، رئيس )نظيف عفيف مؤهل( جاء بإرادة الشعب ولم يأت بليل منقلبا على الديمقراطية.
رئيس قفز بدولته وشعبه كما فعل )البلدورز( صاحب ال 58 عاما، وهو يلفت نظر العالم لدولته الفقيرة، بتطبيقه لبرنامجه الإنتخابي منذ إستلامه الحكم في نهايات العام 2015.
بدأ ماغوفولي دورته الرئاسية بإقالة عدة مسؤولين بارزين ممن ثبت تورطهم في قضايا فساد، لم يوقفه أن من بينهم أخ أو صديق أو زوجة او نسيب أو حسيب، قام ب)حملة نظافة جماعية(، حتى أعاد لخزينة الدولة مليارات الدولارات المنهوبة.
أوقف بحربه الضروس ضد الفساد خسائر كانت تتكبدها تنزانيا سنويا بما قيمته 110 ملايين دولار سنويًّا من جراء إنفاقها رواتب على موظفين وهميين غير موجودين، ولم يطأطئ رأسه أمام جحافل )القطط السمان(. فحبل الفساد السري لم يربطه مطلقا ب)شلة تنظيم او حزب(، ولم يكن حاميا لهم، عُرف بالنزاهة والصرامة منذ ان كان وزيرا للأشغال العامة قبل ترشحه لرئاسة الجمهورية، وكثيرا ما قام بحملات مداهمة وتفتيش مفاجئة للمرافق التي تتبع لوزارته، و)قصقة( أجنحة المتلاعبين من رؤوس الفساد، لم يعرف عنه حب الظهور والحديث بمناسبة وبدون مناسبة والورجغة امام أجهزة الاعلام، ولم يُشاهد في بيوت الأفراح والأتراح بحثا عن مجد مفقود أو إستجداءا لودَ معدوم، لم يلفظه شعبه ولم تطارده لعنات الأمهات الثكالى ولم يُطرد من المناسبات الإجتماعية، فوقته للعمل ونهضة الدولة.
لم يعجبه ان تكون دولته التي يبلغ تعدادها السكاني ال 56 مليون نسمة، تحت وطأة الفقر والعوز، ولم يرق له ان يظل رئيسا محاصرا بالديون والقروض، ولم يقبل أن يظل رئيسا لواحدة من أفقر دول افريقيا والعالم، وناتجها المحلي يقدر بأكثر من 63 مليار دولار.
شجاعته ونزاهته مكنته من طرد العشرات من الوزراء والمسؤولين بأكثر المرافق حيوية بالبلاد كالسكك الحديد ومصلحة الجمارك ومصلحة الضرائب وهيئة الموانئ والنفط والأراضي، بسبب التلاعب والرشاوى والإتجار في )حاويات المخدرات(، لم يحابي ولم يغتغت على مسؤول فاسد. قام بتعيين من عُرفوا بالنزاهة والتأهيل، فإنتعشت تلك المؤسسات والمصالح الحكومية وأسهمت بدورها في إنعاش إقتصاد الدولة بشكل لفت أنظار العالم.
لم يتجه لتعيين الأقارب والمحاسيب وشلة الأصحاب، ولم يضلل شعبه بحوارات وهمية مع أحزاب المعارضة، ولم يصنع له أحزابا من الأساس، ولم يستظل بظل)الشخصيات القومية(.
وعد بتطبيق سياسة التقشف ونفذها بتخفيض رواتب الوزراء وكبار المسؤولين، وسحب سياراتهم الفارهة وعرضها للبيع في المزاد العلني، ومنع الوزراء من السكن في الفلل والقصور. بينما إمتلك غيره الأحياء والمدن بل والجزر خارج دولته من مال الشعب.
فصل 10 الاف موظف حكومي لا حاجة لهم، ووفر رواتبهم لمشاريع اخري سيعملون بها، لم يُسمع عنه تعيينه نوابا للبرلمان او شراءا لذممهم وأغرائهم بالسيارات الفارهة ولا بمضاعفة المخصصات والحوافز والبدلات كما يفعل رؤوس الفساد في بلادهم، بل خفض نفقات البرلمان من 100 الف دولار الى 7 الاف دولار فقط، وخفض عدد الوزارات إلى 19 وزارة فقط بدلا عن 30، لم يقضي وقته متجولا بين الدول والمدن والقرى على حساب فقراء بلاده باحثا عن بقاء في كرسي أو مستجديا عطف مواطن، بل منع سفر المسؤولين على نفقة الدولة الا للضرورة القصوى، الغى احتفالات الاستقلال نظرا لتكلفتها العالية.
إحترمه شعبه حينما طلب من كافة الوزراء كشف حساباتهم البنكية وممتلكاتهم، وتوعد بإقالة أي وزير لا يتعاون في الكشف عن حسابه وقد كان. بينما جفَف سدنة المال العام خزينة الدولة واحتموا ببنوك العالم.
وضع تنزانيا على طريق تنمية مواردها وثرواتها؛ لينعم الشعب التنزاني بالطمأنينة وتحقيق المعادلة وأهداف التنمية نحو بناء اقتصادي حقيقي متين. بينما سحل ونحر وقتل وإعتقل غيره من الرؤساء شعبهم ومستقبل أمتهم معلمين ومهندسين واطباء في سبيل التمسك حتى آخر رمق بكرسي الحكم، ولم يثنهم عن ذلك عامل السن ولا بقاءهم على حاة القبر.