لا أظن أن نوايا رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الساعية للحصول على دعم من المجتمع الدولي لإنقاذ السودان من ورطته، محل تشكيك عند أحد.
الرجل وجد نفسه وبلاده في حفرة عميقة، فبات يتلفت يُمنةً ويسرة، بحثاً عن مخرج.
في رحلة البحث عن “نفاج” التقى رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عنتيبي، علَ ذلك يُحرك الاقتصاد الخامل، وطلب حمدوك تدخلاً من الأمم المتحدة باستقدام بعثة من مجلس الأمن لِما أسماها إنشاء عملية السلام.
ورغم أن لحمدوك خبرة عملية متراكمة وناجحة في مجال العمل بالمنظمات الإقليمية خاصةً الشق المتعلق بالتنمية لكن ذلك لا يمنع من إبداء بعض الملاحظات وطرح الاستفسارات التي سيقبلها بلا شك.
قرأت كثيراً بنود الفصل السادس في حل المنزاعات سلمياً وهي ستة مواد سهلة الفهم والحفظ.
وقرأت أكثر رسالة رئيس الوزراء إلى الأمم المتحدة ووجدتها تحمل مطالب عديدة لا تندرج تحت الفصل السادس، ويبدو أنه السبب الذي قاد حمدوك وهو يطلب ولاية مجلس الأمن على السودان، أن يحدد شكل البعثة المبتغاه “بعثة سياسية ذات نهج مبتكر تتسم بالمرونة”.
مجمل المواد الست تتحدث عن تدخل الأمم المتحدة بين طرفي نزاع برضائها عبر طرق (التحقيق، التوفيق، التحكيم، التسوية، القضاء) أو أن يُنبه مجلس الأمن المجتمع الدولي بإمكانية حدوث نزاع يؤثر على الأمن ليتخذ توصياته على ضوء ذلك.
لكن لنأتي إلى ما فصله رئيس الوزراء حول مهام البعثة في خطابه.
*”متابعة تنفيذ الوثيقة الدستورية”، وهو مطلب لا بد أن يأتي بموافقة الطرفين الموقعين (المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير)، وهو ما لم يتم.
*قال الخطاب ” ينبغي أن تُنشر على وجه السرعة القدرات اللازمة للمساعي الحميدة في دعم الوساطة وتقديم المساعدات لمفاوضات جوبا”، والمعلوم أن جنوب السودان، أعلن عن تاريخ منتصف الشهر الجاري للتوقيع على اتفاق بين الحكومة والجبهة الثورية من جهة ومع حركة عبد العزيز الحلو من جهة أخرى، كما أن مبدأ الوساطة نفسه والذي نادى به كثيرون بما فيهم الحركات المسلحة كان مرفوضاً من جوبا والحكومة السودانية لأسباب مجهولة، فما الذي استجد لطلب وساطة من الأمم المتحدة وليس الاتحاد الإفريقي؟!.
*الطلب من الأمم المتحدة “رصد وقف إطلاق النار”، وإن حدث هذا الخرق والرصد، يترتب على الخطوة عقوبات لاحقة عبر تقارير تُرفع إلى مجلس الأمن.
*”جمع الأسلحة الصغيرة” هو من واجب الشرطة السودانية التي يفترض أن تقوم بمهامها وليس “البعثة السياسية”.
*تقديم الدعم التقني في وضع الدستور والإصلاح القانوني والقضائي والخدمة المدنية، يعد تدخلاً مباشراً من مهام وصميم عمل الدولة.
*”أما “إصلاح قطاع الأمن”.. كان وظل مطلباً شعبياً نادت به الثورة، ووضع كثير من السياسيين رؤية حول الإصلاح، لكن وقع المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير على وثيقة، يؤول فيها أمر الإصلاح وإعادة الهيكلة للأول، وبذلك تعد هذه النقطة مخالفة للوثيقة الدستورية، وحساسة لاستحالة تنفيذها مع جهة أجنبية.
*دعا الخطاب أن تُساعد البعثة في تعبئة المساعدات الاقتصادية، ولعل من الملاحظات العامة للأمم المتحدة أنها تعتمد على اشتراكات الأعضاء وتُقدر وتُعظم الدول التي تدفع أكثر من اشتراكها السنوي، لذا فإن أكثر ما تفعله شحذ الدعم لمنظماتها ومشاريعها وليس للدول نفسها.
*من ضمن مهام البعثة السياسية التي طلبها رئيس الوزراء “بسط سلطة الدولة في دارفور”، وسلطة الدولة هي سياسية وأمنية وبدا كأن المعنى أن تُشارك البعثة كل من الوزراء والمسؤولين والعسكريين مهامهم، مما ألمح إلى انتقاص سلطة وهيبة الدولة.
*دعا د.حمدوك بأن يكون تواجد البعثة في السودان شيئاً متكاملاً، وأن يوسع فريق الأمم المتحدة القطري عملياته من حيث الحجم والنطاق، بل إنه رحب بها في أقرب وقت ممكن، وهو ما يشير إلى أن أمراً طارئاً وقع يستدعي قدوم البعثة دون تاريخ محدد أو حتى فترة زمنية لبقائها، رغم أن العاجل حالياً أمرٌ داخلي من مسؤولية مجلسي الوزراء والسيادة يتعلق بتوفير الخبز والوقود من جهة، وتعيين الولاة والمجلس التشريعي من جهة أخرى، فضلاً عن الإسراع بإظهار نتائج أحداث فض الاعتصام.
*حضور البعثة بمهام متعددة ومفتوحة وفي جميع مناطق وولايات السودان يجعل الحد من حركتها كما تفعل جميع الدول أمراً صعباً بل مستحيلاً، وذلك ليس للمبررات التي ظل يُسوقها النظام السابق “العمالة والاستخبار وغيرها” لكن لأن للأمر أضراراً كبيرة بأن تتواجد بعثة مختلفة الجنسيات بمهام غير محصورة وتنتشر في جميع أنحاء البلاد ويمكن أن نعدد الأسباب لاحقاً.
كثير من المطالب يمكن أن تقوم بها وكالات الأمم المتحدة العاملة في السودان بمضاعفة قليل من الجهد، كما أن استباق الطلب بالإسهام في نزع سلاح المقاتلين وتسريحهم وإعادة دمجهم قبل التوقيع على اتفاق السلام، فيه استباق للعملية التي لم تصل لخواتيمها بعد.
وكأن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بات مقيداً من قِيل الحرية والتغيير والمجلس السيادي، فبات يبحث عن مخرج لإنقاذ الوضع الاقتصادي، لكن يبدو أن الطريق الذي اختاره محاط بالأشواك.