يبدو أن علاقة الأخوان المسلمين والشيوعيين مع العسكر فيها كثير من المفارقات والتناقضات والإيحاءات والعبر في السودان و قبلها في جمهورية مصر..
لعل كثيراً من شباب اليوم وآخرين لا يعرفون أن تنظيم الأخوان المصريين كان يقف خلف ثورة 23 يوليو 1952 المصرية دعموها لدرجة أن الثورة المصرية حلت جميع الأحزاب المصرية ولم تحل جماعة الأخوان المصرية.. ولكن يبدو أن خلافاً قد حدث بين قيادة ثورة يوليو المصرية وبين جماعة الأخوان عقب إبعادها لقائدها الأساسى اللواء محمد نجيب (كان السودانيون يحبون نجيب وكان إبعاده أحد أسباب اختيار السودانيين للاستقلال بدلاً عن الوحدة مع مصر).. كانت نتيجة الخلاف أن وجه عسكر ثورة يوليو بقيادة جمال عبد الناصر ضربة قاصمة لجماعة الأخوان المصرية سجنا وإعداماً واقصاءً وتعذيباً.. وهذا ماحدث أيضاً للحزب الشيوعي السوداني عقب انقلاب 25 مايو 1969 الذي ساهم فيه الحزب الشيوعي وأيده تأييداً مشابهاً لتأييد الأخوان المسلمين المصريين لثورة يوليو عبر تنظيم المظاهرات والحشود المؤيدة وإقصاء الآخرين فما أن وقع الخلاف بين النميرى والحزب الشيوعي حتى قام الحزب عبر قيادته العسكرية بانقلاب الرائد هاشم العطا في 19 يوليو 1971 فكان أعظم خطأ ارتكبه الحزب الشيوعي السوداني دفع ثمنه غالياً بإعدام النميري لأهم قياداته السياسية والنقابية والعسكرية والجنوبية (عبد الخالق والشفيع وهاشم العطا وبابكر النور وجوزيف قرنق ومن البعثيين فاروق حمدنا الله).. واعتقل معظم قادته وأدى لأكبر انشقاق في الحزب الشيوعي السودانى حيث آثر المنشقون منه والآنتهازيون فيه الانضمام إلى النميري كاشفين له كل أسراره وأمواله وعلاقاته أدخلته في بيات شتوي طويل..
هل يا ترى يحدث نفس الشيء للحركة الإسلامية السودانية لاحقاً إذا انقلب عليها عسكر ثورة 19 ديسمبر الحالية رغم تأييد الحركة الإسلامية وفلول حزب المؤتمر الوطني للمجلس العسكري الحالي نكاية في قوى الحرية والتغيير والمهنيين.. فالشاهد إنه بعد أن خططت ونفذت الحركة الإسلامية إنقلاب الإنقاذ 1989 ثم أدارت الدولة من خلف الكواليس في بداية الأمر ثم ظهرت بوجهها وقياداتها عقب ذلك ورضعت من ثدي الموازنة العامة ودافع الضرائب بدا واضحاً أن ثمة خلافات بينها وبين قيادة الإنقاذ العسكرية أدت بهؤلاء إلى إبعاد أهم قيادتها من كابينة السلطة مثلما أبعدت سابقاً زعيمها الشيخ الترابي واعتقلته وبعض مؤيديه وقد كان ذلك أخطر انشقاق في تاريخ الحركة الإسلامية منذ أول انشقاق عام 1953 ثم في مؤتمر أبريل/ مايو 1969 ثم عقب انتفاضة 1985 حين خرجت منها جماعة الأستاذ الصادق عبد الله عبد الماجد وأخذت اسم الأخوان المسلمين..
هل تتكرر تلك المشاهد غداً بين الحركة الإسلامية والمجلس العسكري؟؟ لست أدري فما أكثر العبر وأقل الاعتبار.. إن الليالى من الزمان حبالى يلدن كل أمر عجيب!! وفي العالم الثالث لا تستغرب عزيزي القارئ شيئاً..