:: إن كانت أخطر ما في الأزمات هي عدم الاعتراف بها، فإن أخطر ما في الأزمات التي تشهدها بلادنا هي عدم اعتراف الحكومة بأنها – أي ذاتها – هي الأزمة.. وكما تعلمون فإن الأزمة لا تحل الأزمة.. وعلى سبيل المثال ما يُدمي القلب، يوم السبت الفائت، في لقاء رئيس الوزراء مع بعض الإعلاميين بمقر )السوداني(، حمًل سيادته انفصال جنوب السودان مسؤولية الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وقال إن الدولة فقدت )90%( من إيرادات النقد الأجنبي، ثم طالب أن ينظر المحتجون لهذا لأمر بموضوعية..!!
:: وعليه، لا جديد.. وهي ذات الأسطوانة التي ترددها وكالات الأنباء أيضاً.. نعم، ما أن تكتب وكالات الأنباء خبراً عن السودان، إلا وتكون خاتمة الخبر معلومة نصها: )ويعاني السودان شحاً في النقد الأجنبي منذ انفصال جنوب السودان 2011م، وفقدانه لثلاثة أرباع موارده النفطية والتي كانت تشكل ما يقارب 80% من موارد النقد الأجنبي وميزانية البلاد(.. هكذا.. منذ عام انفصال جنوب السودان )2011( تتكرر تلك المعلومة في متن الأخبار والتقارير، وكأن هذا الانفصال حدث قبل عام، وكان صادماً ومفاجئاً….!!
:: والكل، وليس رئيس الوزراء وحده، منذ العام 2011م، لا يبررون الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلادنا بغير انفصال الجنوب.. وكأن الحزب الحاكم غير مسؤول عن التخطيط الاقتصادي لما بعد انفصال جنوب السودان، بحيث لا تكون في بلادنا أزمة اقتصادية.. أو كأن انفصال جنوب السودان سوف يصيب اقتصاد السودان بالمرض إلى يوم القيامة، وليس لهؤلاء السادة وظيفة في السلطة غير ترديد هذه الأسطوانة!!
:: والمهم.. الاقتصاد المعافى في أي بلد – يا عزيزي رئيس مجلس الوزراء – يتكئ على زيادة الإنتاج بالتخطيط وبعد توفير مناخ الإنتاج، ثم مكافحة الفساد وتحرير أسواق التجارة والصناعة، وليس بتبرير الفشل والعجز بانفصال حدث قبل )ثمانى سنوات(.. قد لا تعلمون بأن الثمانى سنوات فترة تكفي لخلق موارد – بدولة – من العدم، وناهيك عن توظيف موارد بحجم )موارد بلادنا(.. من المعيب أن تختبئ الحكومة وراء هذا التبرير غير المنطقي لعقد من الزمان، وهو عمر الانفصال…!!
:: والغريب في الأمر، قبل إعادة تدوير تبرير انفصال الجنوب، كان هناك تبرير آخر للعجز والفشل، مرده )الحظر الأمريكي(.. والحمد لله، لقد انهارت )الحيطة القصيرة(.. عام وآخر، وبلادنا بلا حظر، فهل شعرنا بتحسن اقتصادي مقداره مثقال ذرة؟.. وبالمناسبة، على سبيل المثال، هل تذكرون حديث عبد الرحمن حسن، المحافظ الاسبق لبنك السودان، والذي بشرنا – في اليوم التالي لرفع العقوبات – بالنص: )سوف يحس المواطن بآثار رفع العقوبات وتدفق النقد الأجنبي من أول أسبوع، وطوال حياته(..؟.. لم يتحقق ما وعدنا به، لأنه كان ) تخديراً( وليس )تخطيطاً(، وهنا يتجلى أصل الأزمة..!!