أحداث عاصفة شهدتها مدينة نيالا، بعد احتجاجات طلاب المدارس على انعدام الخبز الذي استفحلت أزمته قبيل اندلاع احتجاجات اليومين الماضيين.. والأزمة في نيالا هي ذات الأزمة التي شهدتها البلاد قبل سقوط البشير. انعدام أو شح خبز، انعدام وقود، ندرة دواء، أزمة سيولة ثم انقطاع مستمر للتيار الكهربائي.
الأزمات المصطفة تزيد حدتها أو تنقص من مدينة إلى أخرى، تنفرج لأيام قليلة ثم تعاود، ثم تنفرج ثم تعاود.
حل هذه الأزمات لن يتم بنقل اجتماعات مجلس السيادة من الخرطوم إلى نيالا، وما تفعله مثل هذه الخطوة لن يتجاوز أخبار الصحف التي تأتي في خانات الدعم المعنوي.
هب أن مظاهرة حاشدة خرجت غدًا في مدينة بورتسودان بسبب انقطاع التيار الكهربائي، فهل يطالب مجلس السيادة بنقل اجتماعه إلى بورتسودان لحل أزمتها، وهل يظل المجلس في حالة تنقل من مدينة إلى مدينة كلما اشتدت عليها أزمة.
هذه الأزمات التي هي مظاهر للأزمة الاقتصادية التي خلعت البشير لن تحلها تنقلات اجتماعات لن تحقق إلا كسبًا إعلاميًّا محدودًا وتطييب خاطر يزول بزوال المؤثر.
نحن بحاجة إلى اجتماعات مستمرة في الانعقاد لبحث مخرج سريع يُثبِّت الوضع الاقتصادي المتدهور على ما هو عليه، ثم يبدأ على عجل طرح حلول متوسطة المدى ثم استراتيجيات طويلة المدى.
التغيير الذي لم يشعر به المواطن بعد، ينتظره هنا، في انجلاء صفوف الخبز والوقود وتوفر الدواء كخطوة أولى، مثلما انجلت أزمة السيولة.
مشهد الصفوف الذي بات ثابتًا ينبغي أن ينتهي بأسرع ما يمكن قبل تمدد الإحباط الشعبي.. هناك إدراك أن التغيير الذي جاء بعد 30 عامًا لن يحدث بين ليلة وضحاها، والشارع يعي حجم التدمير الممنهج الذي لحق بكل القطاعات ولم يترك شبرًا سالما، ويدرك الشارع كذلك حجم الفساد الذي استشرى في البلاد. كل ذلك موضوع بعين الاعتبار، لكن أيضًا ينبغي أن يُحس التغيير أو مؤشراته في حدود الاحتياجات اليومية التي بدأت تستفحل يومًا بعد يوم.
على أقل تقدير أن تنتهي هذه الصفوف، أن يتوفر الدقيق والمواصلات والوقود.. أن يبدأ فعليًا العمل، أن ينتهي تعليق أسباب الأزمات في رقاب “جهات”.
المطلوب على وجه السرعة أن تحكم السلطة التنفيذية قبضتها على مؤسسات الدولة التي لا تزال تُدار بواسطة كوادر النظام البائد. هؤلاء لن يتركوا الشعب يهنأ طالما في يدهم سلطة.