صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

اعتذار معتز ومعاناة الناس

12

كلام صريح

سمية سيد

اعتذار معتز ومعاناة الناس

‏‏‏‏
ردود فعل متباينة حظيت بها تغريدة رئيس الوزراء ووزير المالية معتز موسى، والتي اعتذر عبرها للشعب السوداني جراء أزمة الخبز .
لربما يكون معتز موسى أول مسئول حكومي، طيلة عهد الإنقاذ الذي لامس الثلاثين عاماً، يتعامل مع ثقافة الاعتذار رغم الكثير من المعاناة والضيق الذي لحق بالشعب السوداني.
الاعتذار علامة من علامات الثقة بالنفس واعتراف بالخطأ، وهو شيمة الشخصيات غير المهزوزة نفسياً. لذلك أضاف معتز قيمة كاد الناس ينسونها مع انتشار لغة “لحس الكوع” و”أكل الكسرة” والمن بتوفير صابون الغسيل مما أدى إلى تباعد في العلاقات الإنسانية وتشاحن مع المسئولين.
المؤكد أن الأزمات المتفاقمة في الخبز والمحروقات والكاش هي أزمات لن تنتهي بمجرد رفع معتز موسى يده عن قلم التوقيع على إقرار سياسة جديدة، لكون أن هذه الأزمات هي أزمات عميقة ومتراكمة وكبيرة في حجمها وفي تأثيراتها.
لذلك إذا اعتذر رئيس الوزراء أمس وحل المشكلة اليوم فلن نستبعد أن تتكرر بعد غد، طالما أن جذور المشكلة لم تطالها هزة التغيير.
رأيت الكثير من الاستياء الأيام الماضية على خلفية تفاقم الطوابير أمام الأفران، وأيضاً أمام محطات الوقود، وبصورة أكثر أمام البنوك، لكن لا يمكن الجزم بنهاية المعاناة في أقل من شهرين رغم الوعود التي أُطلقت في الأيام الأولى من تغيير الحكومة، ورغم الإشادات التي وجدها البرنامج الاقتصادي الذي تم الإعلان عنه.. صحيح لقد كان البرنامج مختلفاً وأدى إلى إقرار سياسات اقتصادية أكثر اختلافاً بدعمها لقطاع الإنتاج الصادر.. والصحيح أيضا أنه قاد إلى حراك كبير ظهرت نتائجه سريعاً بارتفاع عائدات الصادر إلى أكثر من 40%. لكن المؤكد أن نتائج السياسات لن تظهر سريعاً، لا على انخفاض سعر الدولار مقابل الجنيه ولا في خفض تكاليف قفة الملاح، فكل هذا يحتاج إلى وقت يطول أو يقصر حسب جدية الحكومة وإرادتها في التنفيذ.
الواضح أن معتز موسى يُصفِّق لوحده مثلما يُغرِّد لوحده بعيداً عن سرب الجهاز التنفيذي الذي يرأسه هو.. فالحراك الذي بدا واضحاً في كثير من القطاعات يظهر فيه رئيس الوزراء يعزف لوحده، وكأنما بقية الطاقم الوزاري في إجازة مفتوحة.. المؤكد أن مثل هذا الوضع لن يخدم تنفيذ البرنامج الذي يحتاج إلى تناغم وتفاعل كافة الجهات لإخراج البلاد من هذه الأوضاع المأزومة.
انتهت أمس أزمة الخبز، لكن ليس هناك ما يؤكد عدم عودة طوابير المواطنين أمام المخابز. وقد تنتهي غداً أزمة الجازولين لكن ليس هناك ما يؤكد أيضاً أنها لن تعود بعد أيام مع نهاية آخر برميل من الكميات التي أفرغتها الباخرة الأخيرة.. الأزمات والصفوف لن تنتهي إلا بعد ظهور استقرار سعر الصرف وضخ كميات من النقد الأجنبي في البنوك.
الأسبوع الماضي كان الأسوأ منذ تولي معتز موسى رئاسة الوزراء؛ تفاقمت مشكلة النقد بصورة أكبر ولم تعد تغذية الصرافات الآلية حلاً لمشكلة الكاش، إذ أن الصرافات الآلية عادت كما كانت خاوية في كثير من الفروع، أو أنها تمرر عدداً من البطاقات وتتوقف لعدم وجود أموال.. أما البنوك وفروعها فأصبح وضعها مخجلاً؛ فقد فشلت حتى في دفع ألفي جنيه للعميل وسط استياء من المتعاملين .
على معتز موسى التوقف قليلاً من تحركاته وجولاته التفقدية وإلزام الوزراء والمسئولين بمتابعة مثل هذه التفاصيل، وإلزامهم بتقارير واقعية عن الأوضاع والتأكد من أنها حقيقية وليست مفبركة، وأن يتفرغ هو لمتابعة تنفيذ السياسات الإصلاحية التي أعلنها. فخوضه في التفاصيل لن يقود إلا لتشتيت الجهود وهو ما سيكون سبباً في هزيمة برنامج طموح.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد