صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

استغفال الثوار ..

44

نبض الوطن

احمد يوسف التاي

استغفال الثوار ..

حتى لحظة كتابة هذه السطور، ما زلتُ على يقين بأنّ قوى الحرية والتغيير هي صاحبة القدح المعلى في تحريك الشارع وتوجيه الحراك الثوري لأنها حتى هذه اللحظة تُعبر عن أهداف الثورة ومطالب الثوار، وكنا على يقين أيضاً أنها لا تمثل كل الشارع السوداني ولكنها تُعبر عن آمال وتطلعات السواد الأعظم ولعل هذا هو سبب استجابة الشارع لنداءاتها، ولكن قطعاً هذا لا يعني أن الجماهير التي خرجت في المظاهرات كلها تنتمي لقوى الحرية والتغيير، ولا يعني أيضاً أن الشارع سيبصم بالعشرة على كل ما تريده قوى التغيير..
جماهير الثورة السودانية حسمت أمرها وأيقنت أن الجسر الذي يعبر إلى دولة القانون والحكم الرشيد هو التوافق على “حكومة تكنوقراط” بعيداً عن المحاصصات والترضيات والموازنات السياسية والجهوية والقبلية، وهي ممارسات ممقوتة أدمنها النظام المخلوع فأثقلت كاهله بالترهل وجيوش الدستوريين وعطالى السياسيين الذين أرهقوا خزينة الدولة بالرواتب والمخصصات والبدلات والتسهيلات، وكان مدخل كل هذا السوء والبؤس المحاصصة الحزبية في ظل وجود 200 حزب وحركة وتيار سياسي. الآن اشتم رائحة “الطبخة” التي تعِد لها قيادات الجبهة الثورية وقوى الحرية والتغيير في أديس أبابا وتهيئ نفسها لتقاسم “المغنم” لجعل فترة الحكم الانتقالي “محاصصة” بين شركاء متشاكسين لا يربط بينهم سوى الأطماع الذاتية والمنافع الشخصية، وإلا فلماذا نقضوا “العهد” المبرم على رؤوس الأشهاد والذي حدد معايير الاختيار في تكوين الحكومة القادمة “كفاءات وطنية مستقلة” حسب الاتفاق المنصوص عليه في الفصل الثاني بند “الترتيبات الانتقالية”، لكن الذي يحدث الآن في أديس فلا “كفاءات” ولا “مستقلة”، بل “محاصصة” بين “الثورية” وقوى التغيير ، وفي ذلك استغفال كبير للجماهير الثائرة التي تريد حكومة كفاءات وطنية مستقلة.
عندما طالب الشارع السوداني بحكومة خالية من الأحزاب لإدارة الفترة الانتقالية، كان يريد قطع الطريق أمام المحاصصة الحزبية، وجاء الاتفاق السياسي ملبياً لهذه المطالب الشعبية، ولكن من الواضح الآن أن “الثورية” تضغط لتعيدنا إلى مربع الصراع الحزبي والتنازع حول المواقع والمناصب.
التراجع عن معيار “الكفاءات المستقلة لن يجد معارضة داخل قوى الحرية والتغيير، لأن غالبية أحزابها وحركاتها المسلحة تدرك حجمها وأوزانها ولن تأمل كثيراً في فوزٍ تحرزه في حلبة المنافسة الحرة، وتُدرك تماماً أن ما ستحققه من مكاسب في هذه المرحلة التي لا تحتاج سوى صوتٍ عالٍ وصخبٍ وتهديدٍ لن تحقق معشاره في مرحلةٍ تالية معيار الكسب فيها هو الثقل الجماهيري والوزن السياسي الذي تفتقده تماماً الحركات المسلحة والأحزاب صاحبة الصوت العالي داخل الحرية والتغيير..
ثم يبقى القول إن الثورة أكبر وأعظم من أن يبتزها أحد أو يخدعها انتهازي، وما يريده الشعب سيكون، فلا محاصصة حزبية ولا عودة للوراء فتلك هي الخيانة الحقيقية لدماء الشهداء.. هذه ثورة جماهير الشعب السوداني التي أسقطت نظام الظلم والاستبداد طالما عجزت عن إسقاطه الحركات المسلحة والأحزاب المعارضة، لذلك سيظل “الفيتو” بيد هذه الجماهير، وأما قضية السلام فهي قضية الوطن الأولى ولا مزايدة عليها اللهم هذا قسمي فيما أملك..

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد