من ثمراتِ ثورتنا العظيمة أنّها جسّرت الهوة بين المواطن والمسؤول وصيّرت الوصول إليه ممكناً في أي زمانٍ ومكان ، وسحبت تلك القُدسية المُزيّفة التي كان يتدثّر بها الساسة من قبل ، وأشرعت له الأبواب التي أوصدوها باحكامٍ عنه من قبل ، وأفرغت الهواء الذي ملأت به سُلطة ما قبل الثورة أصحاب الوزن الخفيف وجعلتهم يُحلّقون في سماواتها حتى ظنّ بعضهم أنّ النزول إلي الأرض ثانية والعيش مع أهلها بات مُستحيلا ، وأنّ سنُة مالك المُلك في مُلكِهِ لن تمضي عليهم إلى أن يُسلّموها لعيسى عليه السلام كما صرّح بعضهم من قبل.
لقد ذهب القوم وأشرقت شمس المدنية فلا تُعجِّلوا غروبها بالفوضى.
من حق المواطن أن يهتُف بأعلى صوته ومن حقه استخدام أي أداة من أدوات الضغطِ المُمكنة والمشروعة ضد الدولة لنيل (حقوقه) المسلوبة ، ولكن ما لا يجب أن يكون وما يجب أن ننتبه إليه جيداً ونمنع حدوثه قبل الوقوع في مجاري الفوضى وقبل أن تجرفنا سيولها بعيداً عن المدنية المنشودة أن نوقف انتزاع الحقوق بالعنتريات والاستقواء على الدولة بالقبلية والجهوية في بلادٍ أقعدتها الفتن القبلية وأحرقت الأخضر فيها واليابس.
جاء في الأخبار أنّ والي الخرطوم أعفى مدير مصلحة الأراضي من منصبه لأسباب لم يذكرها في قراره ، مما دفع تجمع العاملين بمصلحة الأراضي للاحتجاج على القرار والوقوف بجانب زميلهم الذي يروّن فيه ما لا يرى الوالي ، ومن حقهم الاعتراض على القرار وعلى الوالي أن يرد عليهم لتوضيح الأسباب التي دفعته لاصدار القرار الذي اعتبره بعضهم بأنّه مُخالِف لأدبيات ثورة ديسمبر المجيدة ، ومن حق المُدير (المُقال) الاعتراض على القرار واللجوء للقضاء لينفي عن نفسه تُهمة استغلال النفوذ التي اتهمها به البعض ، وما منّا من أحدٍ يستنكر أو يعترِض على وقفاتهم الاحتجاجية في عهد الحرية والمدنية.
لم يستوقفنا الخبر ولم تُزعجنا الاحتجاجات ، ولكن للخبر بقية مُدهشة تعال معي عزيزي القارئ لنقراً معاً ما جاء فيه (وفي الاثناء اغلق محتجون ينتمون لقبيلة الجموعية جسر النيل الأبيض واصفين قرار الاقالة بالظالم) ، ده شنو ده ..؟ ما علاقة هؤلاء بالقرار وهل صوّرت لهم الفوضى بأنّهم أكبر يا تُرى من الدولة أم أنّ الجسر الواقع جغرافياً في منطقتهم مملوك لهم هم وحدهم يغلقونه متى شاءوا ليُعرّقلوا به حركة المارة ويلووا به ذراع الدولة للرضوخ لمطالبهم وإعادة المدير لوظيفته ..؟ ، أم أنّ تساهُل الدولة مع من إغلقوا ميناء بورتسودان من قبل للاستجابة لمطالبهم القبلية أغراهم لاغلاق الجسر..؟
أم وجدوا في اغلاق العسكر للجسور كُلما أعلن الشارع عن مسيرة حلاً يصل بهم إلى مُرادهم أم ماذا..؟
احسموا الفوضى قبل أن تتمدد بالله عليكم وإلّا فقد نسمع في الغد من يُوقف حركة الملاحة في المطار ومن يُغلق أبواب القصر الجمهوري وكلو وارد ما دُمتم كذلك.