يواجه التحول الديمقراطي في السودان تحديات جسام ويمر بطريق وعر للغاية، مليء بالأشواك والمتاريس، ويتربص بالسودان اعداء من الخارج والداخل لوقف عجلة التغيير التي لا تأتي في مصلحتهم، وستواجه الحكومة الانتقالية العديد من المشاكل ولا تقف عند الخطوط الاقتصادية والأمنية، والتي قد تبطئ تقدمها السياسي وانفتاحها نحو العالم الخارجي، لكن تبقى التحديات الأمنية، هي المهدد الخطير، لاسيما ان الحكومة تحتاج إلى فرض قبضة أمنية قوية، خاصة في الولا يات التي تعاني إضرابات واشتباكات مستمرة ومتتالية وهشاشة أمنية مخيفة.
ولكن قد يلاحظ المتابع أن هناك مهدداً خفياً وخطيراً يهدد استقرار السودان يتسلل من كل الاتجاهات ليحدث شرخاً اجتماعياً ويخلق أجواء مشحونة بالصراعات، وهو بروز نعرة القبيلة، وإعلاء صوتها والعمل من بعض الجهات الحكومية لدعم هذا الصوت ، تلك القيادات التي مازالت تحتفظ بعمامة القبيلة ولم ترتدي جلباب الوطن للحصول على مكاسب سياسية ضيقة، هذه الظاهرة الخطيرة التي ظننا ان الثورة جاءت لهزيمة هذا الصوت ووأده، وان ارساء قيم السلام والتسامح وحب الوطنية أهم شعارات الثورة، ولكن للوطن اعداء من رحمه لا يريدون له تقدماً وان التنافس على هزيمة الوطن اصبح أكبر من التنافس على نصرته ورفعته وتطوره.
ولاشك ان ثمة أهمية كبرى للإدارات الأهلية في حلحلة كثير من القضايا ورتق النسيج الاجتماعي لكن من المؤسف ان تتحول بعض القيادات فيها الى خطر وتهديد يضرب النسيج الاجتماعي وذلك لزرع الفتنة والفرقة والشتات بين مكوناته لتحقيق أجندة سياسية وشخصية ومصالح ذات أطر ضيقة.
والغريب ان اعلاء صوت القبيلة في الفترة الأخيرة اصبح يرعاه ويشرف عليه بعض القادة السياسيين الذين سلكوا ذات الدرب الذي رسمته حكومة المخلوع لدمار السودان، والتي تبنت بعض القبائل في ولايات السودان ودعمتها بالمال والسلاح على حساب قبائل أخرى هذا التخطيط التدميري، الذي انتهجته الانقاذ لدمار السودان حتى بعد زوال حكمها وستدفع ثمنه الحكومة الانتقالية، وحتى الحكومات المتعاقبة، ليأتي بعض القادة لتمجيد ذات الشخصيات القبلية وتضخيمها وتقديمها في جلباب سياسي جديد، فكثرت زيارات المسئولين للولايات عبر بوابة القبيلة والأشخاص وفات عليهم ان قطار الثورة الذي استغلوه للوصول الى هذه المقاعد اطلق صافرته احتجاجاً على تمدد القبيلة اعتراضاً لسكة التقدم والحضارة وان الثورة جاءت لرفع شعار الوطن أولاً.
وصوت القبيلة الآن هو رصاصة الاقتتال الذي راح ضحيتها العشرات من خيرة شباب الوطن بالولايات ليدفعوا بأرواحهم ثمناً، وتصعد أرواحهم البريئة الطاهرة دون ذنب سوى الانتماء الي القبيلة، لذلك إن لم تنتبه الحكومة لهذا التيار الجارف الذي يهدد استقرار الوطن، وإن لم يكف قادتها عن دعم هذا الاتجاه لمصالحهم الشخصية، وأقلعوا عن عادة الهتاف باسم الوطن تحت خلفيات وواجهات القبيلة، فإن لم يخمدوا هذا الصوت ستقع مسئولية وضياع هذا البلد على عاتقهم عندها لن يعود ماسيذهب وسيطول الندم.
طيف أخير:
عهد علي ياوطن نذر علي ياجليل سأكون ناصح مؤتمن لكل من عشق الرحيل