قرأت في بعض قروبات الواتسب تعبيرات لم تعجبني حول بعض أعضاء مجلس السيادة ممن تم اختيارهم مؤخرا وكانت تعليقات في غاية السطحية ترقى إلى الحسد منه إلى الرؤية المحترمة والنقد السوي، ورأيت أن أكتب حول ذلك وأقول أنه مهما كان خلاف هؤلاء الذين كتبوا فإن الواجب الوطني وسمو الأخلاق السودانية يحتِّم علينا احترامهم حيث أن هؤلاء الأعضاء قد تم اختيارهم عقب ثورة سلمية من سائر أبناء الشعب.. لم يأتوا عبر انقلاب عسكري فرض حالة الطوارئ وزج بالثوار في السجون أو عطل الدستور. بل لم يأتوا لحسبهم ونسبهم أو وراثة أو فرضا من دولة استعمارية أجنبية بل هم سودانيون من صلب هذا الشعب والثورة..
بالله قولوا لنا ما عيب أن يكون أحد أعضاء المجلس أتى من وظيفة سابقة في أسفل السلم الإداري أو الاجتماعي دفعته ظروف الاستبداد السابق ليأكل من عرق جبينه من مصدر ورزق حلال وليس من عرق لسانه أو ظل ينهب المال العام حراما مثلما كان يفعل من سبقه نفاقا وجرأة على الحق.
إن أعظم ما جاء في تكوين مجلس السيادة أمران أحدهما أنه لأول مرة في تاريخ رئاسة الدولة تعطي المرأة السودانية حقها وليس منا ولا منحة لتمثيل هذا القطاع المهم، فالمرأة شابات وشيبة كانوا قد شاركوا في ثورة ديسمبر مشاركة عظيمة أبهرت العالم دفعوا أبناءهم للشهادة والجراح حتى صارت المرأة أيقونة الثورة..
المرأة السودانية ظلت تشارك أخيها الرجل في كافة مجالات الحياة وهي الأم الرؤوم وهي الزوجة العظيمة وهي الأخت الحبيبة وهي الخالة والعمة والحبوبة اللاتي نشأن في أحضانهن وعلمونا المحبة والتواصل والبر والإحسان والاحترام للآخرين سواءا كانو فقراء ام أغنياء. ثم أليست المرأة هي نصف المجتمع فما بال البعض يستنكر عليهم تمثيلا معقولا في قمة رأس الدولة؟ كم أتمني أن تصبح المرأة هي رأس مجلس السيادة القادم حين يأتي الدور على المدنيين بعد الأشهر التي خصصت للعسكريين حتى نعطي للعالم المثل المحتذى في احترام السودانيين للمرأة..
علي المستوى الشخصي أعرف الأستاذ القانوني عضو المجلس حسن شيخ إدريس منذ أكثر من خمسين عاما عرفته رجلا مهذبا ومتواضعا وودودا لا يعرف الخصومة ولا التطرف السياسي أو الفكري ومجانبا للقول والفعل الفاسد، هذا بجانب تخصصه المهني فهي عضوبة مستحقة له. ثم تعرفت صدفة على الأستاذة عائشة موسى أستاذة اللغة الإنجليزية يوم الفرح الكبير عندما كنا نحاول الدخول عبر البوابة الجنوبية لحضور الاحتفال بالتوقيع على الوثيقة الدستورية فعندما عبرناها كانت تتوكأ على عصا وتسير بصعوبة بالغة نحو القاعة التي تبعد كثيرا عن البوابة ومعها ابنتها، تمنيت حينها بل حاولت لو كانت إدارة القاعة والاحتفال قد تذكرت أن هناك من الشخصيات المدعوة ما يصعب عليها الوصول بسهولة ويسر.. هل تدرون مَن هذه السيدة المناضلة المحترمة التي أصرت على حضور الاحتفال رغم الجهد الذي بذلته؟ إنها زوجة أحد شعراء السودان العظام صاحب ديوان (الغابة والصحراء) المرحوم الأستاذ محمد عبد الحي فعندما كنت أسير بجانبها في معية أستاذي البروفسير مدثر عبد الرحيم التقى الاثنان بعد عقود من الزمان فكانت لحظات حميمة حيث كان زوجها المرحوم من أعز أصدقائه عاشا سويا في لندن خاصة أيام مرضه الأخيرة فقد كان حينها الأستاذ محمد عبد الحي -كما ذكر لي البروف- متصوِّفًا.. رحمه الله رحمة واسعة ولعله تكريم مستحق له أن تكون زوجته الوفية اليوم زمزا للسيادة وربما -غدا- رأسا للدولة كأفضل تكريم للمرأة السودانية العظيمة..