صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

احتجاجات السودان المستمرة.. جدلية التوسع والانحسار

12

 

منذ انطلاق الاحتجاجات في السودان في 19 ديسمبر الماضي، يُطرح سؤالا جذريا ومفصليًا بشكل دوري، مفاده، هل اتسعت الاحتجاجات في البلاد أم تراجعت؟

المعارضة ترى أن الاحتجاجات تتمدد وتتسع، وتكسب كل يوما فئات جديدة من المجتمع.

بينما تقول الحكومة بأن الاحتجاجات تقود البلاد إلى الفوضى، وأنها لن تسمح بانزلاق البلاد إلى عدم الاستقرار.

الحكومة تتمسك بالانتخابات باعتبارها الوسيلة الوحيدة للتغيير، وترحب بالحوار مع الشباب المحتجين.

تتباعد الشقة بين المعارضة التي ترفع شعار “تسقط بس”، وبين الحكومة التي ترى أن سقوط النظام لن يتحقق.

اللافت للانتباه استمرار الاحتجاجات التي تطالب بتنحي الرئيس البشير، منذ 19 ديسمبر الماضي، رغم التكهنات والتحليلات بإمكانية انحسارها وتراجعها في الأسبوع الأول، نسبة للترسانة الأمنية وأساليب القمع التي صاحبتها.

الاحتجاجات بدأت بالمطالبة بتوفير الخبز والنقود والوقود، لكن سرعان ما توسعت لتعم كافة أرجاء البلاد، وتمددت مطالبها بإتاحة الحريات ورحيل النظام الحاكم.

الاحتجاجات المستمرة شهدت أعمال عنف أسفرت عن سقوط قتلى وعشرات الجرحى في صفوف المتظاهرين، وأكدت الحكومة أنها استخدمت أقل قوة لتفريق التظاهرات غير القانونية.

إلا أن المعارضة ومنظمة دولية، اتهمت السلطات باستخدام القوة المفرطة في التعامل مع المحتجين السلميين.

وخلال غضون أيام معدودة، اجتاحت البلاد موجات تظاهر عارمة، قابلتها القوات الأمنية بالقوة، وأعلنت الحكومة حالة الطوارئ في عدد من الولايات، وتعليق الدراسة في المدارس والجامعات.

ومع استمرار وتوسع الاحتجاجات، أعلنت أحزاب سياسية وتنظيمات مهنية تأييدها للمحتجين، مطالبة البشير (يحكم منذ 29 عاماً) بالتنحي، وتشكيل حكومة انتقالية.

وأسفرت الاحتجاجات عن سقوط 31 قتيلا، وفق آخر إحصاء حكومي، فيما تقول منظمة العفو الدولية، إن عدد القتلى 40، ويقدر ناشطون وأحزاب معارضة العدد بـ 50 قتيلا.

خيبة الأمل

يرى مراقبون أن ما زاد من اختناق الاوضاع هو تصاعد خيبة الأمل في إمكانية أن تفضي مبادرة الحوار الوطني التي دعا لها البشير وقاطعتها غالبية الفصائل المدنية والمسلحة مطلع عام 2014 عن نتائج إيجابية.

وذلك إثر رفض النظام الحاكم تقديم أي تنازلات جذرية في جلسات الحوار، بل دفع بتعديلات دستورية للبرلمان من ضمنها تعديل فترة الرئيس البشير ما يتيح لها الترشح في 2020.

وهو ما ساهم بشكل في كبير في أن تجد الاحتجاجات وقع لها لدى الأحزاب التي شاركت في الحوار الوطني وأعلن بعهضا الانسحاب من الحكومة والمطالبة بحكومة قومية، فيما دعت أخرى إلى عدم تعديل الدستور حتى لا يترشح البشير.

قيادة غير معروفة

ومنذ انطلاق الاحتجاجات يطرح سؤال بشكل يومي، هل انحسرت الاحتجاجات أم أتسعت، وهو سؤال تصاحبها تساؤلات أخرى هل كانت مظاهرات اليوم ضخمة أم أقل من سابقاتها، وماذا أسفرت عنه تلك الاحتجاجات؟

وترى الحكومة أن الاحتجاجات تراجعت، لأنها مطالبها أصبحت مُسيسة، والشعب السوداني واعي ولا يمكن أن ينجر وراء قيادة غير معروفة لديه والمتمثلة في “تجمع المهنيين السودانيين”.

غموض تجمع المهنيين يزعج الحكومة، ولكنها تجده سببا كافيا لإحجام المواطنيين من الاحتجاج حتى لا يرهنوا مستقبل البلاد لفئة مجهولة، وفق تصريحات مسؤوليها.

و”تجمع المهنيين السودانيين” (مستقل غير حكومي)، يشمل الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات ومعلمين وصحفيين، وصيادلة والمحامين وغيرهم، ويتبنى الاحتجاجات وظل ينظم التظاهرات في مواعيد ومواقيت زمنية محددة.

تجمع المهنيين السودانيين، وهو تحالف يصف نفسه بالمهني المستقل، وليس له أي هيكل تنظيمي، تكون في أكتوبر 2016، حين اجتمعت ثلاث مكونات هي: لجنة أطباء السودان المركزية، شبكة الصحفيين السودانيين، وتحالف المحاميين الديمقراطيين، وجميعها (غير حكومية).

لكن وجود التجمع أصبح مؤثرا عقب اندلاع الاحتجاجات، بانضمام أجسام مهنية أخرى، وانخراط تحالفات المعارضة الكبيرة بالبلاد في العمل معه وفق ميثاق وأهداف مشتركة.

الحكومة السودانية قابلت قيادات التجمع لتظاهرات تطالب البشير بالتنحي وتشكيل حكومة انتقالية، باتهامه بالعمالة وأنه عميل لجهات خارجية.

وقال الرئيس البشير، لدى ترؤسه الأسبوع الماضي، اجتماعا للجنة العليا لمتابعة مطلوبات الوفاق الوطني وإنفاذ مخرجات الحوار الوطني، بالقصر الرئاسي بالخرطوم، “من يقودون الاحتجاجات غير معروفين وليس لهم أجسام حقيقية يمكن الرجوع إليها”.

وأضاف، “الحملة الإعلامية المساندة للاحتجاجات، تم تمويلها بمبالغ مالية كبيرة من جهات معادية للسودان”، دون تسمية تلك الجهات أو ذكر المبالغ المالية.

إلا أن المتحدث باسم حزب البعث السوداني، محمد وداعة، يرى أن الحديث عن عدم وجود قيادة معروفة للاحتجاجات يفتقر إلى الحجة والمنطق، بدليل التنظيم الدقيق وتبلور مشروع سياسي للمرحلة القادمة بمشاركة قوى سياسية معارضة تشمل تحالف نداء السودان، والإجماع الوطني وأساتذة جامعات وبقية الفئات الأخرى”.

وقال في حديثه لــ(باج نيوز)، “هذا يؤكد وجود نضج سياسي ستضح معالمه في الأيام القادمة”.

النفس الطويل

يقول القيادي بحزب الأمة القومي (المعارض)، أيوب محمد عباس، إن “الاحتجاجات عبارة عن ثورة شعبية مكتملة الأركان، وتوفرت ظروفها الذاتية والموضوعية”.

وأشار عباس في حديثه لــ(باج نيوز)، إلى أن “الاحتجاجات اتسعت رقعتها جهوياً ومناطقياً وقطاعياً وجغرافياً، وهي في تطور مستمرة وأخذت زخماً إعلامياً، وبعدا إقليمياً ودولياً”.

وأضاف، “القيادة الميدانية لتجمع المهنيين أظهرت تنظيما باهرا في المواكب الأخيرة، ما أسفر عن نجاح منقطع النظير في العاصمة والولايات مع الالتزام الواضح بالسلمية”.

ويؤكد عباس أنها “تتمدد وتتطور، واتسمت بالنفس الطويل، ما أدى إلى الالتفاف الجماهيري حولها، ما يعني نجاحها والوصول إلى هدف إسقاط النظام وتصفية مؤسساته بناء دولة العدالة والديمقراطية”.

يتفق وداعة مع عباس، بأن الاحتجاجات لم تنحسر، والدليل على ذلك نجاح التظاهرات الأخيرة بالعاصمة الخرطوم، والتي أصبحت أكثر تنظيما بمشاركة فئات جديدة من شرائح المجتمع أكسبتها قوة.

وقال “الأسباب التي اندلعت من أجلها الاحتجاجات ما زالت قائمة”، وهي انعدام الوقود والنقود والخبز” وتمخضت عنها أسباب سياسية طالبت برحيل النظام”.

وأضاف، “الحكومة فشلت في توفير الاحتياجات الضرورية، واستخدمت القوة والبطش والقتل تجاه المتظاهرين”.

استمرار الأسباب

يقول شمس الدين ضو البيت، وهو مدير مشروع الفكر الديمقراطي، (مؤسسة غير حكومية)، إن “الاحتجاجات لن تنحسر إلا بتحقيق هدفها وهو إسقاط النظام”.

وأضاف ضو البيت لــ(باج نيوز)، “الاحتجاجات دخلت إلى كل بيت سوداني، وشملت قطاعات واسعة من المجتمع السوداني، خاصة الأرياف”.

وتابع، “لأول مرة نشهد في الاحتجاجات الحالية مشاركة الأطفال والمواطنين في الهامش، ما يعني أنها ثورة وطنية وقومية تشمل كل أطياف الشعب السوداني”.

أما الكاتب والمحلل السياسي، أشرف عبد العزيز، فرأى أن الاحتجاجات ستكون مستمرة لأن الأسباب السياسية والاقتصادية التي أدت إلى اندلاعها ما زالت موجودة.

وقال عبد العزيز لــ(باج نيوز)، “الحكومة السودانية ليس لديها حلول للأزمات في البلاد، وخرج المحتجون من أجل قضايا عادلة وهي سيادة حكم القانون، والحريات وحقوق الإنسان”.

الحوار وليس “تسقط بس”

المسؤولون الحكوميون وقيادات حزب المؤتمر الوطني الحاكم، تقر باحقية المطالب التي رفعها المحتجين في جوانبها الاقتصادية، ويرفضون أي حديث عن مطالب سياسية باعتبارها تقود البلاد إلى الانزلاق في الفوضى، لذلك يطرحون الحوار بديلا للاحتجاجات.

وقال نائب رئيس القطاع السياسي بالحزب الحاكم، محمد المصطفي الضو، في اجتماع حزبي الأسبوع الماضي، إن شعار: “تسقط بس” الذي يرفعه الشباب المحتجون لا يدركون أنه سيحول السودان لوطن مدمر، يتحول مواطنوه للاجئين مثل الكثير من الدول.

وشدَّد على أن “حزبه لا يخون الشباب المحتجين على الأوضاع الاقتصادية أو يدمغهم (يتهمهم) بالعمالة”، موجها أعضاء حزبه “بالحوار مع الشباب لأنهم رصيده السودان ومخزونه الاستراتيجي”.

وذكر “أن الشباب الذين يتظاهرون ويقودون الاحتجاجات ينتمون لجيل ولد وترعرع في ظل الحكومة الحالية وعاشوا عهدا ممتلئا بالوفرة وخاليا من الأزمات الاقتصادية والسياسية”.

وقال المسؤول الحزبي، “أيا يكن من يختاره الشعب سنرفع له تعظيم سلام ونسلمه قيادة السودان، وأن المظاهرات والاحتجاجات ليست وسيلة لإسقاط الحكم وتداوله في أي دولة من دول العالم”.

شعار “تسقط بس” هو شعار رفعه بعض المتظاهرين في السودان، وقد ظهر في يوم 22 ديسمبر الماضي، وتداوله الناشطون على منصات التواصل الاجتماعي في “تويتر” و “فيس بوك”.

وتحول شعار “تسقط بس” بالانتشار من كونه مجرد هاشتاق مكتوب على وسائط التواصل الاجتماعي إلى رمز من حالة منتشر خارجه في عدة أشكال، حيث صمم المحتجون الشعار بعلب الغاز المسيل للدموع، الطوب على الأرض، وفي المطابخ بالخضروات، وقد عبر السودانيون في أوروبا عن الشعار على الجليد.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد