صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

إنهيار السودان بفعل الجدل بين العلمانيين والإسلاميين

22

الخرطوم : الأماتونج

علاقة الإنقاذ بالإسلام كانت محصورة في الشعارات فقط ولكنها حللت الربا وحاكمت الضعيف الذي سرق الخبز وساعدت الشريف على نهب المليارات بدون مساءلة

* البعض لا يعرف عن النظام المدني غير أنه التعري والسكر والفوضى…!

أبوعاقله محمد أماسا
* يحدث في السودان فقط.. يهاجم الإسلاميون غيرهم من الإتجاهات السياسية ويصفونهم بالإنحلال والسفور والعمالة، وهم الذين كانوا يسيرون الجموع وهم يهتفون (شريعه شريعه والا نموت.. الإسلام قبل القوت)، وعندما جاءتهم الفرصة وحكموا البلاد ثلاثة عقود لم يطبقوا الشريعة، بل أحلوا الربا وضيقوا على الناس في الكسب الحلال وزجوا بآلاف التجار في السجون ودخلوا الأسواق بأساليب جديده، وأوقفوا تطبيق الحدود وأعملوا قوانين المرأة المخزومية، عندما حاكموا الضعيف على سرقة الخبز، وساعدوا الشريف على سرقة المليارات وظلوا يتستروا عليه حتى يومنا هذا، في حين أن دعاة العلمانية أنفسهم لو أخذوا فرصتهم لن يذهبوا إلى ذلك المستوى الذي يمثل الحد الأدنى عند الشعب السوداني المتدين بالفطرة، ومايزال أنصار الإنقاذ يتصيدون زلات من جاء بعدهم في الحكم.. وكأنهم كانوا النموذج الأمثل في تطبيق الشريعة الإسلامية.
* نظام الإنقاذ لم يكن إسلامياً إلا في الشعارات الظاهرية، وإذا أردنا تصنيف التجربة بمعايير النظم السياسية المعاصرة لما وجدنا له مسميات غير الشمولية الديكتاتورية، فقد دخل رموز الإسلاميين الأسواق ومارسوا التجارة بفقه يخصهم وحدهم، ومارس عسكرييهم القتل والإعتقال والتعذيب والتنكيل خارج الأطر الشرعية والإسلامية، ومع ذلك عندما تحل بهم النوائب يخرجوا للحديث عن الشريعة إستعطافاً للشعب السوداني المعروف بتدينه الفطري.. والواقع أنهم في ثلاثين سنة أحكموا فيها قبضتهم على كل مفاصل الحياة ولم يطبقوا إلا ما يتماشى مع أمزجتهم ولا يمس رغباتهم الخاصة في الثراء والسيطرة، وفي كل مرة كانوا يكتشفون (لذة) جديدة في الحكم، فيحكموا، وفي الغنى.. فيغتنوا.. وفي القهر والتعذيب.. فيقهروا ويعذبوا، وفي التجارة.. فيتاجروا ويستزيدوا من إستغلال النفوذ… وما يجري الآن هو إمتداد طبيعي لتلك العقود الثلاثة ومن يقول غير ذلك فأما أنه كان طالب سلطة ووصلها، أو أنه كان جزءً منها وفقدها.
* مع ذلك تدور معركة ضارية بين الإسلاميين والعلمانيين بتفاصيل توحي أن العلمانية كنظام حكم أوجدت لتكون ضد الدين الإسلامي، يديرون تفاصيل هذه المعركة في السودان وعندما يهاجروا لا تكون هجرتهم إلى مكة المكرمة بل إلى ألمانيا العلمانية كما فعل الشيخ علي الحاج، أو إلى بريطانيا وأمريكا كما يفعل جل الإسلاميين أو رموزهم، بل يتفاخرون بجنسيات تلك الدول العلمانية.
* دعاة العلمانية في السودان يرفعون أصواتهم بدعوتهم نكاية بالإسلاميين، ومعظمهم لا يعرف عنها غير أنها (فصل الدين عن الدولة).. مع أن الإسلاميين قد مارسوا النظام العلماني فعلاً في الثلاث عقود التي حكموا فيها، ولكنها كانت علمانية بمزاج خاص بهم، وهكذا وجد الشعب السوداني نفسه بين فئتين تتصارعان على اللاشيء..!
* أمس الأول كنت في منفذ خدمة عامة، ووجدت ملصقاً ينوه لمحاضرة إسلامية ستلقى في مكان ما بعنوان: (فشل العلمانية).. وقبل أن أستمع للمحاضرة التي سيلقيها إثنين من الشيوخ أتوقع أن يتحدثوا عن العلمانية كنظرية سياسية تؤطر لنظام حكم وبشيء من العنف اللفظي ليتناولوا (المدنية) بذات الفهم الشائه المنتشر عند العامة، وهي أنها تعني الحرية المطلقة والتعري والسكر والرذيلة والفوضى في الشوارع.. وستكون المحاضرة في سياق ذات المعركة، بينما نطالب من سياسيينا أن يستعينوا بمن يميز بين الإثنين، كيف يكون نظام الحكم الإسلامي والعلماني، حتى إذا جلس أحدهم على كرسي العرش هذا يعرف بأي من نظم الحكم سيحكمنا، فما يجري الآن ليس حواراً سلساً نتوقع منه تقارباً في وجهات النظر لنخرج بسوداننا من عنق الزجاجة، بل هي مواجهات ومشاحنات بين مجموعات من المتعصبين وكل يريد أن يثبت أن (الآخر) كافر ومرتد ومتخلف ويجب أن يقام عليه الحد، ومن هذا الواقع الأليم ولدت الفترة الإنتقالية لتكون إمتداداً لمسخ إسمه (النظام السياسي في السودان)، فإذا كانت النظم السياسية المعاصرة مناهج ومراجع تدرس في الجامعات فما يجري في السودان منذ الإستقلال لا يوجد مسمى له غير (النظام الشمولي).. يضاف عليها وصف (الفاسد).. لم ننجح في نظام إسلامي ولا علماني، وما بين المتعاركين سقطت الدولة وإنهارت أركانها الثلاثة (التشريعية، التنفيذية والقضائية) وإنهارت معها بطبيعة الحال السلطة الرابعة (الصحافة والإعلام).. ولم يعد هنالك ما يمكن فصله.
* في خضم هذه الأجواء التصعيدية لم ينتبه السياسيون لصوت العقل الذي عبر عنه رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك عندما قال: (دعونا نتفق أولاً على كيفية حكم السودان، قبل أن نختلف على من يحكمه)… فقد لخص كل الأزمة السودانية في عبارات موجزة.
…. نواصل

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد