يتجاوز الإعتداء بالضرب على الزميل الخلوق الصحفي المتميز على الدالي، من منسوبي الإستخبارات العسكرية النظر الى القضية كونها حادثة تعدي على صحفي تدخل لحل مشكلة صغيرة على الطريق أمام مقر الاستخبارات، تستوجب الوقوف عندها شجباً وادانة ، تتجاوز هذا لتفتح نافذة للقلق والخوف والأسف، وهي تعيد الى الأذهان سلوك وممارسات العهد البائد الباطش ، الذي ماكان يعرف قيمة الصحافة والصحفي، وكان يمارس جهاز أمنه دنّسه على الصحفيين تارة بالضرب والخطف وتارة بالترويع والتعدي.
والغريب ان الزميل علي الدالي عُرف بين الزملاء وبين الناس بسلميته وطيبته وطُهر قلبه ، فهو لايملك إلا قلمه وابتسامته ، لكنه لم يسلم، حتى في عهد الثورة التي بنت قوامها وشيدته على شعارات الحرية والسلام والعدالة، وسمت فوق الجميع عندما ارتقت بسلم السلمية، ليعبر هتافها الأبحار والمحيطات وتبقى ثورة فريدة في كل شئ.
ولكن كيف ندين تصرفات (العسكر) ونحن نعلم ان هذا هو سلوكهم وطبعهم، ففي دفاتر الثورة صفحاتهم ملطخة بدماء الشهداء، وشيمتهم الغدر والخيانة، فالثورة التي منحتهم المناصب، وجاءت لتزيل كل أنواع الظلم، تحولوا في عهدها الى طغاة وجبابرة.
فارتكاب أفظع جريمة في تاريخ السودان، تآمرت فيه المؤسسة العسكرية على مواطنيها وشباب الثورة وغدرت بهم بالضرب والقتل والحرق وإلقاء الجثث في النيل ، فكيف لهذا السلوك ان لا يكون قادراً على ان يسقط عنها كل أقنعة الزيف، وان حاولت أن تتجمل كذباً ونفاقاً، تسعى بين الناس ترتدي ثوب الخديعة ، وتقدم نفسها أنها الحارسة والحامية للوطن والمواطن
وتحاول ان تتوارى خلف الأخطاء دائما وكل ماتستطيع فعله أن تصدر بياناً مُقفراً وخاوٍ، لتؤكد فيه ان الحادث (فردي ) ونغمة فردي هذه اصبحت ( موضة جديدة ) فمتى كان الإعتداء او التصرفات الخاطئة تُسير لها الجيوش ويرفع لواءها القائد ، او تنفذها ( كتيبة ) فالفرد يتبع لمؤسسته وان أساء فلها ، ويحاسب وتتحمل المؤسسة ماينتج عن تصرفه ، فمتى تقر الجهات النظامية باخطاء أفرادها وجرائمهم وتتحمل مايترتب عليها.
وكنا نشكو من الإنفلات من قبل العصابات وتسعة طويلة وغيرها ، وننادي أن تتدخل القوات النظامية لحسمهم ، والآن نشكو من ظاهرة جديدة تتمثل في انفلات القوات النظامية نفسها ، فإن تفاقمت هذه الظاهرة وتمددت فسيحدث العكس والخرطوم ستحكمها العصابات.
فالإعتداء على الدالي وعلى غيره من المواطنين من قبل القوات النظامية يُعدا انحرافاً خطيراً ، وظاهرة تستحق الإنتباه ، فلابد ان يُحسم الأمر من قبل الحكومة إن كان من جانب المكون العسكري والأجهزة الشرطية والأمنية بحسم انفلاتات أفرادها او من الحكومة التنفيذية التي من واجبها حماية المدنيين من سطوة القوات النظامية.
وبالرغم من الذي حدث ومن خطورته كان هنالك جانب مشرق، وألحفَ الزميل على الدالي وأصر على طبعه ، أن يواصل كرمه ويمد يده عطاءً للزملاء فمنح التماسك والقوة للوسط الصحفي حيث أعلنت بالأمس أكثر من خمسة أجسام صحفية وحدتها ، بعد شتات وفرقة وألقت بخلافاتها بعيداً ، بعد ان نفذت وقفة (قلم واحد) أمام مجلس الصحافة والمطبوعات الذي شارك المسؤولون فيه الزملاء وقفتهم تضامنا مع الدالي ، وتحرك الموكب الى ان وصل الى مجلس الوزراء فكانت وقفة ضد الظلم وضد المساس بمهنة الصحافة وكرامة الصحفي وعزته ، وأن لا للتعدي عليه وعلى حقوقه ولا على المواطنين الأبرياء، وأينعت الثورة من جديد عندما هتف أهل القلم (ماتدي قفاك للعسكر العسكر مابصونك أدي قفاك للشارع الشارع مابخونك) .
طيف أخير:
قلت للدالي مازحة وهو طريح الفراش بمستشفى إمبريال: ( يبدو انه مكتوب عليك الشقاوة فكيف تكون ضحية الإعتداء في العهد البائد وعهد الثورة) ؟! فضحك كعادته ، أدعو له جميعكم بتمام الصحة والعافية.