صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

إلى عبدالله حمدوك !!

12

 

مناظير

زهير السراج

إلى عبدالله حمدوك !!

* سألتْ مذيعة في قناة (الحدث) قيادى في قوى الحرية والتغيير عن مصير قوى الحرية والتغيير وأين ستذهب بعد حل المجلس العسكرى وتكوين المجلس السيادى، فأجابها باستنكار: ” نمشى وين، أنحنا قاعدين”. تمنيت في تلك اللحظة لو كنت مكان المذيعة لأسأله: “قاعدين وين؟” !!
* يعتقد البعض في السودان ان السياسة مهنة يظل يرتزق منها طول العمر، وهى لا تعدو في نظره سوى الكلام وإلقاء الخطب ومطاردة الصحف وأجهزة الاعلام والكاميرات وتحين الفرص للحديث، حتى ولو لم ينعم الله عليه باللغة السليمة والكلام المفهوم دعك من المنطق السليم. المهم أن يظل يرغى ويزبد كل الوقت ليشبع رغبته الجامحة في الظهور والبقاء في دائرة الضوء، ويخدع نفسه ويظن أنه يخدع غيره بأنه الشخص الأوحد الذى وضع الله فيه الحكمة وحده، واختاره من بين الملايين لحل مشاكل البشرية جمعاء، فيظل يدور حول نفسه ويخرج من استديو ليدخل استديو آخر، وينتقل من صحيفة الى أخرى وهو سعيد بتحقيق الهدف الذى وهب له نفسه وضحى من أجله، وحقق السعادة للبشرية بدون أن يفعل أي شيء !!
* هذا هو للأسف فهمنا للسياسة الذى توارثناه منذ خروج الاستعمار، ورسخه النظام البائد في اذهان الغالبية، فكانت النتيجة الحتمية الدمار الذى حاق ببلادنا، والانحطاط الذى نعانى منه في جميع المجالات، والتراجع الى الخلف كل يوم حتى صار الحصول على قطعة خبز أو جالون بنزين هو أمنيتنا الوحيدة في الحياة ومصدر سعادتنا، رغم ثرواتنا الطبيعية الهائلة والمشروعات الضخمة التي تركها لنا الاستعمار عند خروجه في عام 1956، وجعلتنا أفضل دول القارة الافريقية. ولكى لا تعتقدوا أننى أبالغ أو انطلق من عاطفة يشوبها الحنين الى القديم، أسمحوا لي أن أحيلكم إلى مجلة (نيوزويك ) الأمريكية الشهيرة التي وضعت على غلاف عددها الصادر بتاريخ 23 فبراير 1953 صورة لجندي سوداني ينفخ على آلة البروجي الموسيقية (الطرمبة)، وكتبت تحتها (السودان: نقطة مضيئة في قارة مظلمة) .. أين نحن الآن من هذه القارة المظلمة؟!
* نصيحتي لحمدوك .. أترك وراءك تماماً طريق الساسة عندما تتسلم منهم قائمة الستين مرشحا لتختار من بينهم أعضاء حكومتك العشرين، ولا تنشغل بهم بعد ذلك ولا بصراعاتهم ومعاركهم وأحاديثهم أو حتى نصائحهم .. وانشغل فقط بالمهمة الكبيرة التي تنتظرك، مهمة التخلص من الإرث المؤلم وإعادة بناء السودان من جديد، وإلا سيكون مصيرك كمصير المرحوم (سر الختم الخليفة) وحكومته في عام 1064 عندما اسقط الشعب الحكم العسكري الاول وتم تكليفه بتشكيل حكومة تكنوقراط تتولى إدارة شؤون البلاد الى حين قيام الانتخابات ، ولكن لم تتركه الاحزاب يعمل وأجبرته على الاستقالة والتعجيل بإجراء الانتخابات في عام 1965 وتتولى ادارة شؤون البلاد وتسقط بالبلاد في هاوية من الصراع والفشل الى ان استيقظ الناس على صوت المارشات العسكرية في 25 مايو، 1969 !!
* في ذلك الوقت (1965 ) كان السودان في أفضل حالاته الاقتصادية والمعيشية.. لم تكن هنالك دولة عميقة تتربص بالثورة، ولم يكن السودان مدمرا بالكامل ويحتاج الى إعادة بناء من جديد، ولا يجد المواطن حتى قطعة الخبز .. كما هو الآن، ورغم ذلك تكالبت عليه صراعات الساسة وإدمانهم للفشل الى أن استيقظ الناس على صوت المارشات العسكرية مرة أخرى في مايو 1969 !
* خذ حذرك يا حمدوك، ابتعد عن الساسة.. وقل لمن يعتقدون انهم جاءوا بك الى رئاسة الوزارة (شكر الله سعيكم)، فالذي أتى بك هو الشعب، وهو الذى ينتظرك بفارغ الصبر لتضعه على اول الطريق، وهو الذى يجب أن تستمع إليه وتطيعه .. وإلا سيكون مصيرك مصير من سبقوك !!

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد