قرأت مقال الخبير الافتصادي الأستاذ أحمد شريف بعنوان (لماذا لم ينفذ قرار المجلس العسكري بإلغاء أمر الطوارئ بتخفيض مبلغ المسافر للخارج)، إذ يبدو أنه مثل آخرين مروا بتجربة مريرة في هذا الخصوص خاصة الذين يتلقون علاجاً في الخارج حيث تأرجح القرار بين أمر الطوارئ وسلطات بنك السودان والجمارك كما هي عادة القرارات والسياسات الاقتصادية في بلادنا والتي أحدثت اضطرابات شتى لدى المواطن بل ساهمت في تكريس عدم ثقته مما أدى لهروب أموال ضخمة من العملات الحرة للخارج ولم تأتِ مثلها تستفيد منها بنوك ودول خارجية وليست مصارفنا ولا اقتصادنا!!؟؟..
عندما قرأت مقال أحمد شريف تذكرت موقفاً طريفاً حدث لي قبل عام عندما كنت مسافراً للخارج فعندما سألني ضابط الأمن هل معك دولارات أجبته كما يقول المثل الإنجايزي silly answer for silly question (إجابة سخيفة لسؤال سخيف) قائلاً له طبعاً معي دولارات وأردفت ساخراً وهل تظنني مسافراً لأتسول ؟!! ثم سألته – وأنا أعلم سلفاً بقرار السماح بحمل عشرة آلاف دولار للمسافر- لماذا هذا السؤال فقال لي بكل سذاجة الموظف المغلوب على أمره: حتى نحارب تهريب العملة!! فقلت له وهل هذا يمنع التهريب؟ أعطِ ما يعادل بالسوداني مليار دولار لتاجر عملة وليس عشرة آلاف دولار ويمكنه أن يسلمك مقابلها في الخارج عملات حرة كيف تريد.. ثم قلت له أنت الآن تسمح لكذا ألف عبر المطار وكل منهم يحمل المسموح به عشرة آلاف دولار فكم دولاراً يخرج يومياً؟
أقول للعباقرة صناع السياسات والقرارات الاقتصادية لخمسين عاماً منذ القرارات الاشتراكية المراهقة من مصادرة وتأميم وتحكم في حركة النقد فيما يطلق عليه رقابة النقد خاصة بعد الإعدامات الجائرة لمجرد حيازة النقد والتي أعدم فيها بعض المواطنين بدءاً بالشهيد مجدي جرجس وآخرين تحت وهم شعار هيبة الدولة والتي تتحقق بالعدل وليس بالإرهاب والظلم.. أقول ماذا كسب الاقتصاد السودانى جراء كل ذلك؟ هل تتذكر عزيزي القارئ تلك المقولة الشهيرة (لولا مجيئ الإنقاذ لوصل الدولار إلى عشرين جنيهاً!!) كم صار الدولار في عهد الإنقاذ؟ (أطالب برد الاعتبار لمجدي وشهداء العملة الذين ظلموا وغيرهم من منسوبي النظام كانوا يحوزون ويسافرون بآلاف الدولارات ولا يسألون).. all people are equal but (some) people are (more) equal
ياهداكم الله من واضعي السياسات الاقتصادية هل تعلمون كم حجم الدولارات داخل وخارج السودان خارج الاقتصاد والنظام المصرفي؟ حسب دراسة مؤكدة إن ما يخزِّنه المواطنون داخل بيوتهم في السودان حوالى تسعة مليار دولار وفي الخارج تبلغ حوالى ستين مليار!! حدث كل ذلك بسبب عدم واقعية السياسات والقرارات الاقتصادية المتقلبة نغيِّرها كما نغيِّر ملابسنا!! بلادنا غنية فإلى متى تستمر تلك السياسات الغبية المتقلبة؟ أتمنى ألا يسند منصب رئيس الوزراء ولا وزير الاقتصاد إلى شخص لا ينظر في قضايا الاقتصاد أكثر من أرنبة انفه وأن يستفيد من أخطاء الماضي..
وعود إلى عنوان هذا المقال أسأل السيد اللواء إبراهم جابر رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس العسكري إن كان قد قرأ مقالي الذي سلمته إليه شخصياً قبل أكثر من أسبوع بعنوان التفكير خارج الصندوق في الاقتصاد السوداني ولم يرد علي وأسأله هل مصيره كما قال أحمد شريف في مقاله إن كان الإهمال ديدننا كما تعودنا من المسئولين في هذا البلد؟.
ثم يا قوى الحرية أعطوا الأولوية ليس للمماحكات والشروط المسبقة لأجل تكوين مؤسسات الدولة التي ستدر
عبر محاكمة الفساد عشرات مليارات الدولارات من عائدات البترول وغيره.