“أجلس على كرسي مكتبي، عار، فضيحة، أستطيع القراءة منذ ثلاثين عامًا وقرأت، إن لم يكن الكثير، إلا أني قرأت بعض الكتب وكل ما تبقى لي منها ذکری ضعيفة جدًا، عن شخص ما يطلق النار على نفسه من مسدس في المجلد الثاني من رواية يبلغ عدد صفحاتها الألف. هل قرأت ثلاثين عامًا عبثًا. آلاف ساعات طفولتي، شبابي وكهولتي أمضيتها في القراءة ولم أحتفظ منها إلا بنسيان شامل، ولو أن هذه الكارثة تضمحل، لا على العكس إنها تسوء، إذا قرأت اليوم كتابًا أنسی بدايته قبل أن أصل إلى نهايته. أحيانا لا تكفي قوة الذاكرة لمتابعة مطالعة صفحة واحدة، وهكذا تطلع روحي فقرة فقرة، جملة جملة”.
كانت هذه كلمات الأديب الألماني باتريك زوسكيند في أحد الأيام عندما وقف أمام مكتبته والتقط كتابًا جديدًا عليه وقد أثار استغرابه ونفوره من تلك الخطوط والملاحظات التي امتلأت بها صفحات الكتاب، من ذلك القارئ الغريب الذي عبث في الصفحات بهذا الشكل؟ وبعد قراءته لعدد لا بأس به من الصفحات يتذكر زوسكيند أنه قد قرأ هذا الكتاب من قبل وأن الملاحظات والخطوط التي أزعجه وجودها ما هي إلا ملاحظاته هو.
يستشهد عدد كبير من القراء المخضرمين بتجربة زوسكيند على أنها حدثت معهم شخصيًا، لم يكن الأمر يتعلق بسرقة القراء لقصة زوسكيند، لأن ما حدث مع صاحب رواية العطر يحدث معنا بشكل مستمر حيث يعيش النسيان داخل الحياة القرائية لأي قارئ نهم.
كلنا ننسى، الجميع بلا استثناء لديه هذا الأمر، ربما تتفاوت الذاكرة القرائية من قارئ لآخر ولكن القراءة والنسيان أمر يمر به كل قارئ مهما بلغت خبرته القرائية.
وسواء تسرعت أو تمهلت في القراءة ستجد نفسك بعد انتهائك من قراءة الكتاب بفترة زمنية تنسى أغلب أو جميع ما قرأته، لذا تنفس بارتياح أيها القارئ، فالنسيان من الأعراض الجانبية للقراءة حتى أنه يطال أعظم الأدباء ويجعلهم لا يتذكرون ما خطته أقلامهم أيضًا، فلا يهم إن كانت قراءاتك نهمة تتعدى عشرة كتب في الشهر أو كتابًا واحدًا في السنة، ستتعرض للنسيان لا محالة
إذًا لماذا نقرأ؟ ما الجدوى من شراء وتخزين الكتب وقراءتها إذا كنا سننساها بعد ذلك؟
لكل قارئ أسبابه المتعددة التي تدفعه إلى القراءة فسواء كانت المتعة أو الفائدة أو حتى الهروب من الواقع أحد الأسباب وراء ذلك، ومهما كانت نوعية الكتب التي قرأتها فإن اللاوعي لديك يتشرب ما قرأته لينعكس فيما بعد على شخصيتك وتصرفاتك، كما سيتطور وعيك وتزداد آلية فهم ما حولك أكثر لترى الأمور من زوايا جديدة مختلفة عن رؤيتك القديمة، لذا لا تشعر بالعار والإحباط عند نسيانك لأحداث رواية 1q84 لموراكامي أو غيرها.
بجانب تفتيح المدارك، للقراءة الفضل في زيادة مخزون الكلمات ومرادفاتها لديك، خاصة عند قراءة الأدب، كذلك تجعلك القراءة تتعاطف مع الآخرين وذلك بوضع نفسك محلهم فعندما تقرأ عن شخصيةٍ ما في كتاب وتتفاعل معها تكون بذلك أثقلت جانب التقمص العاطفي في شخصيتك.
تقول المؤلفة أن باتشيت:
“قراءة الأدب تجلب لنا المزيد من الشعور بالتعاطف تجاه أشخاص لم نقابلهم وعيش حيوات لم نختبرها في حياتنا الحقيقة”
فلا تشعر بالعار أو الخجل عند نسيانك لما قرأت، وبدلًا من ذلك حاول مقاومة النسيان بهذه النصائح العملية التي ستجعلك تتذكر ما قرأت أطول فترة ممكنة:
كتابة مراجعة عن الكتاب الذي قرأته
تخصيص جزء من تفكيرك في استعادة أحداث الرواية بالكامل مع تحديد أبرز شخصياتها وكتابة مراجعة عنها في دفتر صغير أو في تطبيق للملاحظات مثل تطبيق colornote وغيره أو إذا كنت تفضل نشر مراجعاتك للكتب والروايات على موقع Goodreads.
خصص حسابًا للكتب عبر مواقع التواصل الاجتماعي
تستطيع نشر مراجعاتك ومشاركة تجربتك القرائية مع قراء آخرين وتتبادل معهم الآراء حول الكتاب وأسلوب الكاتب ومدى ترابط الحبكة وغيرها.
إن الدخول في المناقشات التي تصل إلى الجدل أحيانًا، ستذكرك جيدًا بتلك الرواية التي تجادلت مع أحد القراء عن مدى سطحية الفكرة بينما هو لديه رأي مغاير، كما تفيد متابعة نوادي الكتب والحسابات المختصة بنشر مراجعاتها الشخصية ومراجعات قراء آخرين كل ذلك سينجح في أبقائك داخل أجواء القراءة
حتى وإن لم تكن عضوًا فاعلًا في نشر مراجعاتك الخاصة، مجرد بقائك في بيئة تتحدث دومًا عن كتب مختلفة سيجعل ذاكرتك نشطة بل سيعطيك معلومات لا تنسى عن كتب لم تقرأها من الأساس
ربط ما قرأته بأمر ما
قد تكون تلك الوجبة اللذيذة التي تناولتها على العشاء وأنت على وشك الانتهاء من الفصل الأخير من رواية ١ ٢ ٣ ٤ لبول أوستر، أو مناسبة اجتماعية اعتذرت عنها من أجل صفحات كتاب الجنس الآخر لسيمون دي بوفوار، أو تخصيص روايات كاتبك المفضل لفترة الأعياد.
أستطيع أن أسرد عليك الكتب التي قرأتها في أعياد رأس السنة الميلادية وتلك التي اقتنيتها وقرأتها في عيد الأضحى مع ذكر أبرز ما حدث في الرواية أو الكتاب.
مراجعة ما دونته
قد يكون تذكر المعلومات في الكتب غير الأدبية أصعب من تذكر أحداث قصة أو رواية لذا احتفظ بدفتر صغير يسهل حمله معك ويمكنك وضعه بالقرب من السرير ومراجعة ما دونته على الأقل مرة في الشهر، المراجعة أمر ضروري لأن النسيان يحب التهام المعلومات باستمرار.
نوِّع مصدر قراءاتك
لم تعد القراءة تقتصر اليوم على الكتاب بنسخته الورقية، فهناك النسخ الإلكترونية والصوتية لعدد كبير من الكتب، حاول ألا تحصر نفسك في قالب واحد للقراءة.
من الممكن تخصيص الكتب الصوتية للروايات والنسخ الورقية أو الإلكترونية للكتب غير الأدبية أو العكس على حسب أيهما تفضل، فعند تنويع مصدر قراءاتك ستذكر بشكل أفضل المعلومات والحوادث البارزة في كل كتاب أو رواية بمجرد تذكر القالب الذي أخذت منه المعلومة.
اشترك في تحديات القراءة
بمجرد متابعتك لأحد القنوات أو الحسابات المتخصصة بعرض مراجعات وترشيحات الكتب على اليوتيوب أو الإنستغرام ستجد صاحب القناة أو الحساب يقدم للمتابعين فرصة الانضمام إلى تحدي قراءة عدد معين من الكتب التي تتعلق بمواضيع معينة في فترة زمنية قصيرة.
سواء كانت هناك مكافأة مادية مقدمة من صاحب التحدي للفائزين أم لا، فبمجرد كتابة قائمة الكتب التي ستشارك بها وقراءة كل واحد منها في فترة زمنية معينة، ستعلق هذه الكتب في ذاكرتك أكثر من غيرها لأنها ارتبطت سويًا بموضوع وفترة زمنية محددة.
اكتب قائمة قراءاتك الشهرية
قد يكون الأمر بديهيًا عند مجانين القراءة، فعند كتابة مجموعة الكتب التي قرأتها كل شهر مع تقييمها وحفظها على هاتفك، سيوفر عليك الأمر عناء الوقوع في فخ شراء كتاب قد قرأته من قبل.
“أراجيك”