* لا يعقل ان تظل قوات المجلس العسكري الانقلاب تعتدى على المتظاهرين السلميين، حتى الذين خرجوا يعبرون عن فرحتهم بتوقيع الاتفاقية السياسية، تطلق عليهم الغاز المسيل للدموع، تضربهم بالهراوات والسياط (كأنهم خراف)، تطاردهم في الأزقة، وتُسمعهم أقزع الشتائم التي تمس الشرف وتنتهك الكرامة وتُعرّض بالأمهات على مسمع ومرأى من الجميع، بدون خوف او وجل من أحد، أو رادع من قانون أو وازع من أخلاق أو ضمير، كما حدث في بعض الميادين والشوارع أمس، بينما المجلس الانقلابى صامت صمت القبور، وقوى الحرية والتغيير لا تشتكى، ولا تطلب حماية حق الناس في التجمع السلمى وحرية التعبير حتى لو كان انتقادا للاتفاقية، وليس تأييدا لها وابتهاجا بها !
* أكدت الاتفاقية في ديباجتها أنها جاءت لتحقيق تطلعات الشعب في الحرية والسلام والعدالة وتحقيق الديمقراطية، ونصَ البند الثالث من فصلها الأول أن “يلتزم الطرفان بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والقيم السودانية السمحاء”، فأين هذه النصوص مما يحدث للمواطنين الأبرياء من اعتداءات ومطاردات وأقذع الشتائم، أم ما هي هذه الديمقراطية وحقوق الإنسان والقيم السودانية السمحاء التي تسمح لجندي مدجج بالسلاح أن يعتدى على مواطن برئ، ويشعبه ضربا ويوجه له اقذع الشتائم التي تسب الدين وتمس الشرف .. وتُعرّض بالأمهات ؟!
* الاتفاقيات ليست مجرد حبر يراق على الورق، وثلة تجتمع للتوقيع أمام الكاميرات وبين الابتسامات والأحضان، وصفحات تنشر، ووثائق تودع في الارشيف، وشراكات تُعقد وحكومات تُشكّل، وإنما أفعال تتنزل على أرض الواقع يشعر بها الجميع ويراها الجميع وينتفع منها الجميع، ولو لم يشعر بها الشعب في حياته اليومية، فلن يكون لها أثر أو احترام. ما معنى أن تحمل الاتفاقية كل هذه الكلمات البراقة عن احترام حقوق الإنسان وحرية التعبير، وعندما ينزل الى الشارع ليحتفل بما جاء فيها، لا لينتقدها، يُفاجأ بالاعتداء والمطاردة والشتيمة والاعتقال، فماذا سيكون مصير من يخرج ليعارضها، وهو حق أصيل له؟! يجب أن يكون المنهج والسلوك لكل أجهزة الدولة خاصة أجهزة تنفيذ القانون جزءا لا يتجزأ من ترتيبات هذه الاتفاقية، بل من صميم معناها ومحتواها، وإلا فما أهمية النص إن لم يتُرجم الى واقع ملموس ؟!
* صحيح أنها لم تكتمل بعد، ولكن بما ان التوقيع المبدئي قد حدث، فالواجب ان يتغير سلوك المجلس العسكري تجاه المواطنين والتظاهرات السلمية، ويتوقف القمع والضرب وانتهاك الحقوق .. على الأقل كبادرة حسن نية، إن لم يكن احتراما للاتفاق الذى تم التوقيع عليه والطرف الذى يفاوضه، وعلى قوى الحرية والتغيير أن ترغمه على انتهاج سلوك جديد، يتناسب مع المرحلة والظروف التي استجدت، وإلا كيف تستمر في التفاوض معه، بينما يظل هو يمارس القمع والتنكيل بالجماهير ؟!
* لقد تفهمنا أن الظروف الهشة لبلادنا، واحتكار البعض للقوة، والأوضاع الإقليمية والضغوط الدولية، حتمت علينا مد اليد والتفاهم مع من ارتكب في حقنا أفدح الجرائم التي لن ننساها أبدا، ولن نتوقف عن مطاردة مرتكبها حتى ينال العقاب المناسب وتتحقق العدالة وترتاح النفوس، ولكننا لن نقبل أن يظل يواصل جرائمه ويعتدى على المواطنين الأبرياء ولو بكلمة عابرة، دعك من هراوة تهشم الرؤوس أو عبارة مقزعه تمس الشرف وتهتك الاعراض، بينما يمارس الذين فوضناهم ووثقنا بهم الصمت على الجرائم التي يرتكبها !!
* تحدثوا مع جلسائكم في الغرف المغلقة التي نُقدّر أنكم تبذلون فيها كل جهد ممكن من أجل حريتنا وكرامتنا وتحقيق مطالبنا، ليتوقفوا عن الاعتداء على شعبنا، ويمسكوا عسسهم وجنجويدهم عن أبنائنا وبناتنا، ويكفوا ألسنتهم عن امهاتنا وآبائنا، ويحترموا إنسانيتنا وكرامتنا وحريتنا وحقنا في الحياة الكريمة، وإلا فلن نسكت عن سكوتكم وضعفكم، وليعلم القاصي قبل الداني، والقريب قبل البعيد، والشقيق قبل الغريب أننا لن نتردد في توجيه النقد لأى شخص، والدفاع عن الشعب الذى أنجبنا وغرس في أنفسنا قيم الفضيلة والشجاعة، والثورة على الباطل، والصدع بالحق ولو على أنفسنا !!