* الحديث عن ما يحدث الآن في المشهد السياسي من سيولة تحتمل كل التوقعات. ولتحليل عن قرب ما يحدث لابد في البدء من تناول حالة الاختراق الكثيف التي تشهدها البلاد والتي تحولت إلى منصة تجتمع فيها كل الدول التي لها مصالح في هذا الاختراق. الملاحظ أن دول الجوار حتى دولة تشاد وجدت في السودان ضالتها التوسعية وعينها على البحر الأحمر علها تجد لها منفذ إليه و بدأ التوسع السكاني لقبائل التماس الحدودية بانتشار كثيف في ربوع كل الولايات يتخذون لهم فيها سكن مؤقت (كنابي) يثيرون فيها مشاكل أصبحت السمة الغالبة وأسفرت عن مواجهات واشتباكات مع بعض سكان تلك المناطق . استغلوا حالة التسيب الأمني، ليجدوا السند من بعض الحركات المسلحة التي تتخذ من تشاد قاعدة انطلاق وتنسيق ودعم تريد أن ترد لها الجميل.
* الاختراق من قبل إثيوبيا بدأ يتخذ منحى خطير بعد قيام سد النهضة وحوجة إثيوبيا إلى الأراضي المسطحة الممتدة التي تصلح للزراعة الآلية ولا تصلح لزراعة المرتفعات التي تشكل معظم أراضى إثيوبيا التي تحتاج لأراضي مسطحة ممتدة للتغلب على ضعف الإنتاج الزراعي الذي لا يفي بحاجة الاستهلاك المحلي وللتغلب على ظاهرة الجفاف الذي يضرب الهضاب الإثيوبية ويتسبب في المجاعات التي أصبحت سمة غالبة مرتبطة باثيوبيا. الأراضي المسطحة الخصبة توجد في السودان عند الحدود في سفح الهضبة الإثيوبية وفي منطقة ما يعرف بالفشقة الصغرى والكبرى التي تم احتلالها بالكامل من قبل الاثيوبيين وتم طرد المزارعين السودانيين منها ونهب محاصيلهم وآلياتهم مما يعتبر استفزاز للسيادة السودانية اغرى الاثيوبيين لمزيد من الاختراق على أمل أن يصبح السودان دولة مفككة منهارة بلا سيادة حتى يقوموا بضم القضارف التي يحلمون بها وهذا مخطط استراتيجي للاثيوبيين لن يتوقف بهزيمتهم في الحرب. استرداد أراضي الفشقة أصبح هدفهم الأساسي لاحتلالها .
* الجارة إريتريا لا أحد ينكر مصالحها الممتدة في ضم مناطق سكانية داخل أراضي الشرق وفي الآونة الأخيرة بدأت مدن شرق البلاد تشهد اضطرابات بين المكونات السكانية وبدأ التلويح بانفصال البحر الأحمر وكسلا عن السودان وضمهم لارتريا التي صار رئيسها افورقي يدخل المدن والمناطق السودانية ويخرج منها بدون اي اعتبار لسيادة السودان وكأنه داخل وطنه. لا أحد ينكر أطماع المصريين في السودان منذ نشيد العلم في مدارسهم) عاشت مصر حرة و السودان( باعتبار السودان أرض مصرية وبدأت الأطماع تزداد بعد الانفجار السكاني في مصر وضيق الاراضي الزراعية ومحدودية المياه خاصة بعد قيام سد النهضة الذي جعل المصريين أكثر حرصا على مزيد من اختراق سيادتنا الوطنية ولن يترددوا مطلقا باحتلال المزيد من الاراضي السودانية كما فعلوا مع مثلث حلايب و شلاتين. أطماع الإمارات والسعودية التي جعلتهم يخترقون سيادتنا الوطنية لا تختلف عن أطماع الباب العالي التركي الخديوى محمد علي عندما غزا السودان من أجل ذهب بني شنقول والعبيد ليستخدمهم ضمن جنود الانكشارية للدفاع عن سلطنته. الإمارات تنظر إلى ثروة ذهب جبل عامر الذي نفذ بسببهم جزء من ثروتهم التي أصبحوا يعتمدون عليها رسميا وعبر تشجيع التهريب وترى السعودية أنها بحاجة دائمة لرجال السودان للموت دفاعا عنهم مقابل حفنة ريالات.
* الإدارة الأمريكية في ظل ترامب أو بايدن الجديد لا تختلف سياستهم تجاه السودان الذي يريدونه عاجلا تحت مظلة التطبيع مع إسرائيل خدمة للمصالح الأمريكية التي تتمثل في تحقيق مصالح حلفائها السعوديين والإماراتيين في السودان . الإمارات والسعودية أصبحتا ولاية أمريكية بلا منازع اما مصر فهي مواجهة بتهديدات أمريكا الابتزازية لتركيعها ولضرب الاستقرار والاقتصاد المصري الذي بدأ يهدد أمن إسرائيل بتنامي قوتها. وجود مصر في المشهد الراهن للحفاظ على مصالحها بجانب تقديم الدعم اللوجستي لتلك القوى المخترقة باعتبارها الأقرب للسودان. للأسف الشديد، أن القوى المدنية المخترقة بالكامل وكذلك العسكرية يستهونون حقيقة ما سيحدث للسودان الذي أصبح بقاءه دولة ذات سيادة في كف عفريت وستندم كل القوى المدنية حيث لا ينفع الندم بما فيها الأحزاب والحركات المسلحة وهم جميعا مشغولون بالمحاصصات والكيد بطرق شتى لحمدوك الذي أصبح يشكل رمز لسيادتنا الوطنية ولا يخدم أي مصالح ذاتية أو حزبية أو أجندة خارجية وحده من يستحق الدعم والتأييد والدفاع عنه والتمسك به والوقوف بجانبه من تهديدات المكون العسكري المستهدف لاستقرار الحكومة الانتقالية خدمة لمصالح تلك القوى التي تخترق سيادتنا الوطنية وتضع البلاد بأسرها في المحك الحقيقي يكون السودان أم لا يكون وهذه المشكلة الحقيقية قبل قضية القراي أو أزمة المناهج الراهنة التي أريد لها إن تشغلنا عن ما يدور في الخفاء لتحقيق الهدف الاستراتيجي بازاحة حمدوك ليستبيحوا البلاد التي ستغدوا جبانة هايصة.