في خفايا العمل العام توجد كثير من الأخطاء، والعديد من التجاوازت التي تهزم المبادئ وتقتل القيم قتلاً عمداً مع سبق الإصرار والترصد، ولكن ينقصها تسليط الضوء والكشف عنها أمام العامة، والستر من الله بلا شك ، وكذلك هو وحده الذي يرفع عنك هذا الحجاب، ولأن الطب هو مهنة ضمير في المقام الأول ولقب الاطباء بملائكة الرحمة في الارض، ليس لأنهم يقدمون لك خدمة علاجية وينقذون حياتك وانت على حافة الموت ولكن لأنهم يتميزون بأخلاق رفيعة دون غيرهم يقدمون مايعجز عنه غيرهم حتى ان كان هذا على حساب حياتهم ، يخاطرون بأنفسهم ويضحون لأجلك مهما كلفهم ذلك، والطب العدلي دون غيره يرتبط المتخصص فيه ارتباطاً وثيقاً بضميره ، لأن مايوقعه قلمه قد يغير كثير من الحقائق التي ربما تبنى عليها جملة من الاتهامات او تسقط بسببها ، وتقارير التشريح هي من أكثر الاعمال القادرة على ان تنهي مشوارك او كتبته بحروف من ذهب في سجل التاريخ.
وقرر طبيب المشرحة أن يكتب نهاية مؤسفة لمشواره الطويل ويتسبب في توقيفه وإحالته للتحقيق إثر تقريره عن وفاة شهيد الكلاكلة بهاء الدين الذي أكد فيه أن وفاته طبيعية، أمر مؤسف للغاية يجعلك تتحسر ليس على طبيب بعينه واسمه إنما تتأسف ان يحدث هذا من شخصية سودانية عرف عنها دائماً النزاهة والأمانة ، فكيف يكون رجل في هذا المنصب الحساس بهذه المواصفات، ألم يفكر الرجل أن امكانية إعادة التشريح يمكن ان تبيّن نتائج أخرى ، قادرة على ان تنسف مشواره المهني وسمعته فالتقرير الثاني الذي جاء ممهوراً باسماء عدد من الأطباء أكد أن الشهيد بهاء الدين تعرض لعدة إصابات كانت السبب في وفاته ،الأمر الذي يؤكد تعرض المرحوم الشهيد بهاء الدين الى أبشع أنواع التعذيب ، داخل حراسات الدعم السريع
ولكن السؤال المهم هل هذا أول تقرير مزيف يحرره الطبيب ؟ وهل ينتهي الأمر فقط بالتحقيق معه، ام انه ولابد للوصول الى من يقف خلفه ، من الذي طلب منه ان يخرج التقرير بهذه الطريقة المخجلة ، التي قد يستحي منها كل طبيب نزيه وشريف ينتمي الى مهنة الطب القائمة على مبدأ الأخلاق أولاً، هل هذ الطبيب تعرض للتهديد ام الابتزاز ، ام تلقى رشوى، فمن غير المنطق، ان يكون الرجل فعل مافعله من نفسه دون تأثير خارجي، هل الذين قاموا بتعذيب بهاء الدين وقتله استخدموا الدكتور، كمعبر للخروج من نفق العقاب بعد ارتكاب أبشع جريمة ، فالاستمرار في مثل هذه التصرفات يجعل إمكانية التوبة لهؤلاء مستحيلة ، فالذي يحاول أن يخفي جريمة بعد افتضاحها يعني انه ربما يرتكب غيرها مثنى وثلاث ورباع، وهذا يؤكد ويكشف اننا لسنا على طريق وسبيل يخرجنا من ظلمات الظلم التي نعيشها، هذا يجرنا الى نفق ودرك أسفل أكثر عمقاً، و هو الأمر المقلق الذي يجعلك رهيناً في دائرة الخطر..!!