في وقت اشتدت فيه أزمة السيولة النقدية في السودان، بالتزامن مع صرف رواتب العاملين بالدولة تحديد سقف مالي لا يتعدي ألفي جنيه (نحو 111 دولارا)، أعلن بنك السودان المركزي أن الأسبوع الحالي سيشهد انفراج الأزمة.
وأعلن المركزي السوداني، أكثر من مرة أن أزمة السيولة في طريقها للحل، وأن كل العوامل التي تسببت في الأزمة قد زالت، وذلك منذ ستة أشهر.
لكن ما زالت معاناة المواطنين تزداد، إذ كشفت جولة ميدانية لـ«الشرق الأوسط» على عدد من البنوك في العاصمة الخرطوم، عن معاناة كبيرة يواجهها موظفو الدولة في الحصول على راتب الشهر الماضي، حيث يتجمعون بأعداد كبيرة أمام بوابات البنوك قبل موعد عملها، ويتكدسون في طوابير داخل صالات البنوك، التي تضيق بهم. لكن بعد تحملهم تلك المعاناة، بما فيهم عدد كبير من النساء، لا يستطيع موظف البنك صرف سوى مبلغ ألفي جنيه.
وبجانب المعاناة الكبيرة التي يواجهها الموظفون، ما زال عملاء البنوك من المواطنين، يجدون صعوبة في الحصول على النقد، حتى مبلغ ألفي جنيه، إذ يتطلب السحب الانتظار لوقت طويل في طوابير طويلة، حتى يأتي عميل للإيداع.
ويقول مشرف فرع بنك عربي في الخرطوم، فضل عدم نشر اسمه لأنه غير مخول بالحديث، لـ«الشرق الأوسط» إن «بنك السودان المركزي يصرف لهم مائة ألف جنيه (نحو 5.5 ألف دولار) في اليوم، لا تفي بالكاد، تصريف 50 عميلا، فيما يدخل البنك يوميا نحو 120 شخصا».
ويضيف، أن البنك يسد حاجة عملائه باتصالاته ببعض عملائه التجار، الذين لديهم النقد، ويحثهم على توريدها لصرفها للعملاء، كما يحاول موظف البنك إقناع العميل بتحرير شيك مصرفي معتمد بنفس قيمة النقد الذي يطلبه عبر شباك الصراف أو بشيك عادي.
وأمام ذلك، يتخوف عملاء البنوك السودانية، أن تكون الإجراءات التي أعلن البنك المركزي اتخاذها خلال الأسبوع الحالي لفك لأزمة السيولة النقدية في البلاد، مجرد تصريحات.
وفي تصريح محدود لمحافظ بنك السودان الدكتور محمد خير الزبير بعد توليه المنصب خلفا لحازم عبد القادر الذي توفي قبل ثلاثة أشهر في تركيا، قال إن البنك المركزي سيوفر أوراق النقد للمصارف قريبا، وإنه يسعى في ذات الوقت لتفعيل عمليات الدفع الإلكتروني، من خلال إلزام كل المؤسسات الحكومية للانتقال للدفع الإلكتروني. وأضاف أن البنك المركزي شرع في معالجة المشكلات القائمة، مشيرا إلى أنهم يدرسون حاليا، تعديل التركيبة الفئوية للعملة، التي تتناسب مع معدلات نمو النشاط الاقتصادي.
ووفقا لمصادر مصرفية تحدثت لـ«الشرق الأوسط» عن اتجاه البنك المركزي لطباعة عملة فئة مائة جنيه للمرة الأولى لحل أزمة السيولة في البلاد، فيما لم يمض 6 أشهر على طرح عملة 50 جنيه، والتي قال إنه يتم سحبها حاليا تدريجيا من البنوك.
المحلل المالي سمير الطاهر سيد أحمد قال لـ«الشرق الأوسط»، معلقا على قرار بنك السودان بطباعة مزيد من العملات، بأنه «علاج صحيح لأزمة السيولة، ويمكن أن يحدث ذلك خلال أيام فقط، لكن ستأتي على حساب ارتفاع معدل التضخم من مستوي خانتين إلى مستوى ثلاث خانات، فإذا كان التضخم الآن في حدود 66 في المائة فإن طباعة العملة ستوصله في لمح البصر إلى أكثر من مائة في المائة».
وأضاف: «ورغم ذلك، فإنه يبقى الحل الوحيد والسريع لأزمة السيولة، خاصة بعد فشل مشاريع الدفع الإلكتروني في جذب الكتلة النقدية للنظام المصرفي»، مشيرا إلى أن «البنك المركزي يهوى طباعة الأموال حيث إن الأمر لا يكلفه سوى اتصال هاتفي بمسؤولي مطبعة صك العملة».
إلى ذلك أقر رئيس اتحاد المصارف السوداني عباس عبد الله عباس بتأثير السياسات المالية والنقدية على القطاع المصرفي خاصة مشكلة السيولة، مشيرا إلى أن الاتحاد سيعمل بالتنسيق الكامل والتعاون التام مع البنك المركزي، لمنع التسرب النقدي الذي يتسبب في مضاربات العملة، ومن ثم التأثير سلبا على سعر الصرف والتضخم.
وفقدت العملة المحلية في السودان أكثر من نصف قيمتها قبل عام مقابل الدولار في تداولات السوق السوداء، والتي حلت عمليا محل النظام المصرفي الرسمي. وبلغت قيمة العملة الأميركية في السوق الموازية بالسودان أمس نحو 46 جنيها، في حين يبلغ سعره الرسمي 18 جنيها، وبلغ معدل التضخم السنوي للبلاد في أغسطس (آب) 66.82 في المائة من 63.94 في المائة في يوليو (تموز).