في مشهد مأساوي للغاية، مكانه وطن اسمه السودان وفي عاصمته، كانت تقف فتاة بأحد المخابز تنتظر دورها في الحصول على قطع من الخبز تسد رمقها ورمق من ينتظرها بالمنزل، وقفت في صف الخبز منذ الساعة الرابعة عصراً وحتى السادسة مساءً لتصاب بعدها بهبوط حاد تفقد إثره وعيها لتقع على الأرض صادمة رأسها بقوة ارتداد عالية، يصرخ على إثره الجميع وبدأت محاولات إنقاذها وإيقاظها، ولكن ظلت أسنانها منعقدة ﻷربع ساعات أخرى ولم تنفك إلا بعد أن ذهبوا بها إلى أقرب مستشفى بمساعدة أختها التي كانت تقف أيضاً في المخبز المجاور، بعد أن سمعت ضجيجاً يصدر من (الفرن) الذي تقف فيه أختها، لتتفاجأ بأن أختها هي التي فقدت الوعي وتم إسعافها إلى المستشفى ومن حسن حظها أن وجدت فيه طبيبة تعرف الأسرة من جملة طبيبتين فقط بالحوادث، وبفضل المعرفة والعلاقة تمكنوا من إسعاف الحالة وتدارك الموقف في حدود الساعة الحادية عشرة ليلاً.
لايوجد بديل
وتمتد أزمة الخبز وتستمر مخلفة وراءها أطفالاً جوعى يذهبون إلى المدارس ببطن خاوية ونساء يقفن ساعات طوال للحصول على قطع خبز يسدُّ رمق أطفالهن بعد عودتهم من المدرسة بعد أن استعصى عليهن عجن الخبز في المنزل لتكاليفه العالية من غاز معدوم وكهرباء غير مستقرة فاضطررن إلى الوقوف والانتظار، وتقول في ذلك منال عبد الله ربة منزل: يريدون منّا بين يوم وليلة أن نتعلم صنع العيش في منازلنا ولا تتوفر مستلزماته ولايملك كل المواطنين أفراناً بمنازلهم وحتى وإن وجدت فأين الغاز الذي يشغلها؟ فمن غير المعقول أن أحصل على الغاز بمبلغ (250) جنيهاً وفي ندرة وأستهلكه في صنع العيش وبهذه الطريقة لايكمل معي أسبوعين، أما الكهرباء فهي غير مستقرة.
أما عن الاستغناء عن الخبز والرجوع إلى الكسرة، فتقول سمية عبد القادر: من الصعب الاعتماد على أكل الكسرة بعد أن اعتاد أطفالي أكل العيش، وتضيف يمكن أن تكون تغير بدل وجبة لكن لايمكن أن تصبح أساسية في كل الوجبات، وقالت استغنينا عن سندوتشات الصباح للمدرسة بعمل قراصة خفيفة الوزن ونقوم بحشوتها بقطع من الطعمية ورغم تضجر أولادي منها إلا أننا لانملك حلاً آخر. وتضيف هالة علي (معلمة) إنها اضطرت لإطعام أطفالها الزبادي بالسكويت لعدم حصولها على خبز.
من جانبه يقول محمد الطيب موظف حكومي إنه بعد انتهاء دوامه يقف ساعات طوالاً في انتظار المواصلات ويرجع إلى المنزل منهكاً من الوقوف ليجد أطفاله ينتظرونه جياعاً لعدم وجود خبز بالبقالات فيضطر أن يواصل يومه وقوفاً من صف المواصلات إلى صف العيش ليصبح في اليوم الثاني على نفس الدوامة دون بصيص أمل لحل الأزمتين، وقال بعض المخابز لايعطونك أكثر من عشرين رغيفة فإذا كان عدد أفراد الأسرة كبيراً فيضطر أن يقف اثنان من أفرادها في مخبزين.
ويقول المواطن عبدالله حسن إن لديه مناسبة زواج ويبحث منذ يومين لمخبز يوفر له الخبز ولم يجد حلاً سوى شرائه بسعر أعلى.
نقصان حصة الدقيق
وأرجع أصحاب مخابز بالخرطوم الأزمة إلى عدم توفر الدقيق ونقصان حصتهم منه حيث قال صاحب مخبز بالخرطوم (2) إنهم كانوا يصنعون في اليوم (30) جوال دقيق أما الآن فقد أصبحت حصتهم (14) جوالاً، وأوضح أن هناك زيادات طرأت على سعر الخميرة حيث قفز سعرها إلى 1450 جنيهاً وسعر الزيت قفز إلى 1070 جنيهاً ومع ذلك لم ترتفع أسعار الخبز ولكنه أصبح غير متوفر، وأضاف: في السابق كان يوزع لنا دقيق (الحمامة) أكثر من 50 جوالاً في الأسبوع، أما الآن فأصبحت شبه متوقفة ودقيق ويتا نسبة توزيعه في الإسبوع كانت 40% حالياً انقسمت للنصف، كما أن الدقيق المستورد قد وقف وأثرت علينا الأزمة كأصحاب مخابز أكثر من المواطنين وأصبحنا نغلق شباك المخبز منذ الساعة 12 ظهراً ولا نعمل وردية ثانية إلا مساءً. وأضاف إذا لم تتدارك الجهات المسؤولة هذا الأمر فسوف تكون (الأزمة) أسوأ من الأسابيع الماضية.
أما صاحب المخبز، حامد فضل الله، فقال ندرة الدقيق شملت كل الأنواع (سيقا – ويتا – الحمامة) ومع ذلك الاستيراد موقوف أيضاً، هذه الأسباب جعلتنا نبيع لأصحاب المطاعم الخبز بنفس سعر الشباك وفي بعض الأحيان لايتوفر لهم وفي السابق كان لديهم تخفيض حيث في كل 100 قطعة 10 قطع إضافية لكننا الآن أصبحنا ندفعهم رسوم الترحيل.
توقف مخابز
ولم تقتصر أزمة الخبز على العاصمة فقد شملت أنحاء من ولايات البلاد ففي مخبز القناص بولاية الجزيرة اضطروا إلى زيادة سعر الخبز ونقصان وزنه لعدم توفر الدقيق ونقصان حصتهم منه حيث كان نصيبهم من الدقيق 15 جوالاً في اليوم وأصبح 4 جوالات إضافة إلى الزيادات الأخرى التي أثرت على صناعة الخبز من زيادة في أسعار الغاز والخميرة وزيادة أجور العمال فبعد أن كان أجر العامل 75 جنيهاً أصبح 140 جنيهاً.
وقال أحد العمال بمخبز القناص مع زيادة اليومية إلا أنها لا تغطي معنا، وأضاف بقوله (شغالين ومفلسين) واليومية تنتهي شاي وجبنة وفطور ومع هذه الظروف نعمل عشان المواطن المسكين ما يرجع بدون خبز.
ومن داخل فرن بساطي (بالمسيد ود عيسى) يقول الفران إبراهيم علي الشهير بعكام: أنا أعمل فراناً منذ 35 سنة ومثل تلك المشكلة لم تواجهني ونحن كعمال مخبز نفسياتنا قد تحطمت لأن يوميتنا قلت. ويضيف عكام ( أنا لو لقيت شغل تاني بشتغلو وأترك شغل المخابز) .أما عن توفر الخبز للمناسبات فقال عكام صرنا لانعمل خبزاً للمناسبات ويباع لهم بنفس سعر الشباك.
صاحب مخبز الفرزدق للخبز الآلي بالصحافة أوضح أن هناك مخابز أغلقت أبوابها ولايستبعد إغلاق المزيد من المخابز إذا استمرت الأزمة .
ورفض صاحب أحد المخابز الاستمرار في العمل بعد أن نقصت حصتهم من الدقيق وقال أصبحت حصتنا جوالين فقط ولاتغطي مع أجرة العمال لذلك قررت إيقاف العمل إلى حين انفراج الأزمة.
انفراج قريب
أكد مسؤل بغرفة الدقيق في حديثه لـ(آخرلحظة) أن الأزمة ستفرج ولاعلاقة لها باستيراد الدقيق. وأن احتياطي البلاد من القمح مطمئن للغاية وأن مشكلة كهرباء المطاحن أصبحت تحت السيطرة