الربيع العربي 2011 لم يكن عاما، بل استثنيت منه الدول العربية ذات الأنظمة الملكية والتي كانت تعيش في رغد من العيش وفَّر لمواطنها الرضا الذي يجعله في منأى عن الثورة فكان الرييع في الأنظمة الجمهورية باستثناء السودان والجزائر، رغم وجود معارضة منظمة فيهما, ولو نظرنا لدول الربيع وهي تونس ومصر واليمن وسوريا وليبيا نجد أنها كلها تعاني من الطغيان السياسي إذ تنفرد فئة بالحكم وتحرم الأغلبية من المشاركة ولكن هذا بدرجات متفاوتة، ففي اليمن كانت توجد حرية تعبير لا حدَّ لها وتونس نسبيا متقدمة على مصر في المشاركة السياسية، وكلها تعاني من الفساد، ولكن بدرجات متفاوتة فتونس غير اليمن ومصر غير ليبيا كذا تعاني من الأزمة الاقتصادية، ولكن أيضا بدرجات متفاوتة فليبيا كان مواطنها يعيش حياة رغدة رغم بعزقة القذافي للثروة الليبية، وسوريا كانت في غاية الرخاء أما الرابط الأوضح بين تلك الدول فهو أنها كلها كانت في حالة جنوح نحو التوريث، فمبارك وعلي عبد الله صالح والقذافي كلهم جهزوا أبناءهم للحكم إما في سوريا؛ فالتوريث قد مضى بعد تعديل الدستور فكان التنازل عن شرط الأربعين في العمر لصالح الرئيس الحالي.
(2)
السودان والجزائر كانا يعيشان نفس ظروف الدول الخمس التي اجتاحها الربيع من ناحية اقتصادية وسياسية بيد أنها لم تكن تعاني من مشكلة التوريث لظروف ربانية معروفة لذلك تأخرا ثمانية سنوات، وبذا يكون الباعث الإضافي فيها للثورة هو الكنكشة وقد صبر الشعبان صبر أيوب على هذه الكنكشة، ويكفي النظر لحالة بوتفليقة الصحية، أما البشير فأكاد أجزم أنه في ليلة الجمعة الأخيرة من فبراير لو قال في خطابه المنتظر إن الدستور لن يعدل ولن يخوض انتخابات 2020 وأنه قد خرج من الحزب الحاكم خروجا نهائيا، لكان الأمر مختلفا، ولكن عدل خطابه في آخر لحظة وأعلن تاجيل التعديلات وميع الخروج بحكاية المسافة الواحدة وهكذا حلت الكنكشة محل التوريث في الجمع بين ثورتي الجزائر والسودان، لذلك جاءت الثورتان مختلفتين ثورات الربيع العربي 2011 إذ امتازتا بطول الفترة الزمنية والسلمية وتطور المطالب الثورية مع الاستمرارية ونشوء أبديات ثورية ما كانت سوف تظهر لو انتهى الحراك فيهما بالضربة القاضية، والأمر المؤكد أن النهاية بالنقاط سوف تفرز واقعا جديدا يجعل الناتج من الثورتين مختلفا فيما يتعلق بالوضع الانتقالي وما يعقبه من نظام.
(3 )
لئن اختلفت الثورتان الجزائرية والسودانية عن ثورات الربيع العربي في ميقاتهما وفي بعض
أسبابهما، فهل سوف تختلفان في مآلاتهما أي في مصيرهما؟ طبعا معروفة مآلات الربيع العربي بتاع 2011؟ لا ندعي إمكانية الإجابة على هذا السؤال لسبب بسيط وهو أن الثورتين السودانية والجزائرية مازالتا قيد التشكل فلم تصلا (التقنت) بعد. أما عن التقنت فاسالوا القادمين من بئية زراعية. شيء أساسي وهو أن ثورات الربيع العربي موديل 2011 بدأت ثورات محلية ثم دخل عليهما عامل خارجي وبمرور الأيام تعملق المكون الخارجي (إعلام ومال ثم سلاح) فكان ما كان فمن فضلكم سدوا الفرقة, وسودنوا –اجعلوها سودانية – القضايا, وفتحوا عيونكم قدر الريال أبوعشرة. حبيبنا حاج الحبيب الذي نعيناه هنا قبل أسابيع رحمة الله تتنزل على قبره الطاهر كان عندما يمتلئ باصه بالركاب والبضائع يقول للكمساري (يا مضوي أبقى لي واعي).