صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

آباء ولأبناء

10

———-

استراحة الجمعة _ ناهد قرناص

 آباء ولأبناء 

روي أن فتاة جاءت الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت (إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع به خسيسته فجعل الأمر اليها فقالت قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن تعلم النساء ان ليس الى الآباء من الأمر شئ) رواه النسائي وابن ماجة .

الحديث الشريف اعلاه اخترته ليكون مدخلاً لفتح باب النقاش في موضوع زواج البنات.. متخذين قصة الفتاة التي خرجت من بيت أبيها وتزوجت دون موافقته وأعلنت ذلك عبر فيديو تم تداوله بكثافة ..بين الأسافير بمختلف أنواعها ..ونالت الفتاة شهرة وصارت من النجوم بين يوم وليلة ..قبل فتح الملف نود قول ان القصة حادثة فردية.. فالمتعارف عليه في بلادنا هو الزواج بموافقة الولي ..وتلك التي لا يوافق ولي أمرها مباشرة ..تجدها تذهب لأقرب الناس اليه للتأثير على رأيه واستجداء موافقته ..دا العادي والمتعارف عليه ..لكن لو حدث تعنت ورفض للزواج ..يحصل شنو ؟ خلينا نناقش الأمر بهدوء.

السؤال الأول ..هل خالفت الفتاة الشرع بالزواج أمام القاضي ؟ الاجابة في رأيي ..(لا) بصريح العبارة ..لأن أكثر المذاهب تشددا ..تسمح للفتاة باللجوء للقضاء بقصد الزواج اذا كان ولي الأمر متعنتاً ورافضا لزواجها من الرجل الذي تقبله هي ..ولو رجعنا الى صفة الزواج نفسه ..لوجدنا ان ولي الامر يقول للعريس أمام المأذون (لقد زوجتك موكلتي البكر الرشيد على الصداق المسمى بيننا) ..ويرد العريس (قبلت زواج موكلتك) ..مما يعني ان البكر توكل ولي الأمر لتكملة اجراءات الزواج ..يبقى من باب أولى ان تزوج نفسها وألا شنو؟ .

طيب نمشي شوية لي قدام ..لو أفرغنا الأمر من البروباغندا التي لازمته والفيديو والهروب من المنزل والحاجات دي (لأن تلك قصة أخرى فعلا) ..وتصورنا القصة منذ بدايتها.. وفككنا المشكلة الى أصولها الأولية ..يمكننا بقليل من الخيال تصور السيناريو الذي حدث ..الفتاة التقت الشاب المعني ..أحست تجاهه بمشاعر الود والمحبة ..الشاب كان مسؤولاً جداً ولم يتلاعب بها ..وتقدم الى أسرتها …التي رفضت رفضاً باتاً لاسباب تخصها ..ولم تترك للفتاة مجالاً للمناقشة ..الفتاة بدورها بعد ان أغلقت الابواب في وجهها ..قررت الزواج عن طريق قاضي ..وتزوجت على سنة الله ورسوله حسب القانون والشرع.. ..زواج بي قسيمة ..زواج مكتمل الأركان .لأن القاضي ينوب عن ولي الأمر في هذه الحالة ..والحديث الذي استشهدنا به في المقدمة ..لخص الأمر كله في ارجاع النبي صلى الله عليه وسلم الامر للفتاة ..فهي صاحبة الامر والنهي ..وهي التي تقبل وترفض ..وهي التي تقرر الاستمرار او عدمه ..فما بال الآباء ينكرون على البنات ابسط حقوقهن ؟..وهو اختيار من ستمضي بقية عمرها معه ؟..وتنجب أولاده وتقضي حياتها بجانبه ؟ ..المذاهب الأربعة ..اختلفت في موافقة ولي الامر او عدمه ..لكنها اجتمعت على ان القاضي هو ولي الامر في حالة غياب الولي او تعنته ورفضه تزويج الفتاة دون أسباب مقنعة ..

السؤال الثالث.. ماذا كان يضير الأب عندما وجد اصرار ابنته على الرجل ..لو قال لابنته (انا الزول دا شايفو ما مناسب ليك وما مقتنع بيهو ..لكن لأنك زولة كبيرة وممكن تتحملي نتائج اختياراتك ..انا حازوجك ليهو) ..ويا دار ما دخلك شر..أعرف كثير من الآباء لم يكونوا سعداء بخيارات بناتهم او أبناءهم، لكنهم وافقوا على مضض.. وأكملوا زيجات أولادهم بكل اريحية ..(دقوا الصيوان وعملوا العقد قدام البيت )..لماذا ؟ ..لأنهم يريدون سعادة فلذات أكبادهم أولاً.. وثانياً لأن تلك حياة الابناء وليست حياة الآباء.. فمن باب أولى تركهم يعيشون خياراتهم بعد ارشادهم ومقارعة رأيهم بالحجة والموعظة الحسنة ..الغريب في الامر ان المجتمع السوداني يقيم الدنيا ولا يقعدها في قصص فردية مثل القصة أعلاه ..قصة لا تحدث كل يوم ..لكن ذات المجتمع يقف متفرجا على الآباء الذين يجبرون البنات على الزواج دون موافقتهن ولا حتى استشارتهن ..وما أكثر النوع الأخير ..

هذه الحادثة لا تحسبوها شراً لكم ..بل فيها خير كثير ..على الاقل جعلتنا نناقش تفاصيل مهمة في شأن الاسرة والزواج ..وفتحت أبواب النقاش بين الأجيال والآباء والابناء ….لا أعتقد ان أحدنا يتمنى ان يكون مكان ذلك الأب ..كلنا نحلم بأن يتزوج اولادنا وبناتنا بالعديل والزين ووسط باقات دعاء الطيبين ..لكن لو حدث أمر غير مرغوب فيه (لا قدر الله) ..فمن المهم مناقشة الظاهرة بهدوء ..وارجاع الامر للشرع والقانون.. ومعرفة حدود تجاوزها من عدمه.. هذا هو المهم ..غير كدا يبقى كلو (ونسة وكلام وتساب).

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد