)1 (
تسعدني جداً عودة أي مواطن سوداني للبلاد بعد اغتراب أو هجرة أو حتى هروب مهما كان شكل الخروج لأسباب اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية لأنه في تقديري لا يخرج الواحد منهم إلا مضطراً فلا شيء يعدل الوطن، وبالتالي عندما يعود يعني أن الظرف الضاغط الذي دعاه للخروج قد زال مما يشي أن تحسناً قد حدث ولو على الصعيد الشخصي وأي تحسن عام أو خاص يجد منا الترحيب ثم ثانياً بلادنا هذه وبحمد الله واسعة ورحبة مادياً ومعنوياً وهي تسعنا جميعاً إذا حسنت النوايا وصدقت الأقوال والأفعال. عودة السياسيين الكبار للبلاد محمولاتها أكبر من عودة المواطنين العاديين لأنهم يمثلون تيارات فكرية وجماعات سياسية، وعودتهم تعني عودة الحوار السياسي للداخل فعندما عاد السيد الصادق المهدي رحبت به في هذا العمود تحت عنوان )عوداً حميداً مستطاب( وقد أثبتت الأيام أن وجوده في الداخل كان ذا أثر ناجز وسريع وعندما عاد الأستاذ الراحل علي محمود حسنين كتبت مرحباً به ولكن عدم صدور الصحيفة يوم الخميس الماضي بسبب قطع في التيار الكهربائي أخر ظهور العمود وللأسف الشديد نزل المقال نعياً له بالأمس رحمه الله رحمة واسعة.
)2 (
أمس الأحد عاد للبلاد الأستاذ ياسر عرمان نائب رئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال, وعند وصوله المطار صرح تصريحات غير مسبوقة فقد قال إنهم جاءوا للمشاركة في هذه الثورة الديسمبرية المباركة وجاءوا ليروا ويتعلموا من هذا الشعب المعلم وبعد ذلك إن كانت لهم كلمة سيقولونها، ثم أضاف أنهم يعتبرون أنفسهم ضمن قوى الثورة وأنهم فصيل من فصائل قوى التغيير والحرية ولكنهم يمدون أيديهم للكافة )الحتة دي مهمة( وزاد كيل بعير عندما قال إنهم ضد دولة التمكين والفساد البائدة ولكنهم ليس ضد التيار الإسلامي الراغب في التغيير . في تقديري أن عرمان بتصريحه هذا قد ضرب رقماً قياسياً في الجرأة ففي هذه الأيام الثورية أي حديث عن الحوار من أي تيار إسلامي مهما كانت درجة نزاهته يصنف في خانة الثورة المضادة ولكن هاهو ياسر يفعلها ولن يستطيع أحد أن يزايد عليه في مقاومة النظام السابق والأهم من كل هذا أن ياسر بتصريحه هذا يكون قد تسامى فوق جراحه الخاصة إذ تناسى شيطنة الإسلاميين له.
)3 (
لياسر عرمان تجربة ثرة جداً في العمل السياسي سلماً وحرباً معارضة وحكماً وله معرفة واسعة بدينميات الجبهة الداخلية وشتاتها وبميكانزيمات السياسة الدولية ومكرها ومن المؤكد أن تجربته فيها العلو والهبوط ورهاناته فيها الرابح والخاسر ولكن تبقى العبرة في الدروس التي ترسبت لديه من خلال هذه التجارب وهو يعود اليوم وبلادنا في مفترق طرق وفي لحظة تاريخية حرجة. وفي تقديري إن كل الذي كنا نراه فزاعات يخيفنا البعض بها أصبح ماثلاً امامنا, عليه تصبح البلاد في أشد الحاجة لخبرة أبنائها الخيرين والذين هم على استعداد لنكران ذواتهم وأحزابهم من أجل الوطن، فوجود ياسر وأمثاله اليوم داخل البلاد يكون قد جاء في الوقت المناسب وأمام ياسر الآن فرصة تاريخية لتقديم ما يفيد البلاد والعباد فأهلاً به وسهلاً و)حبابك ما غريب الدار(