صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

وقطة سمينة ما تشيف ؟

11

حاطب ليل

د. عبد اللطيف البوني

وقطة سمينة ما تشيف ؟


)1(
لا تكتفي حكومتنا السنية بعدم دَعم الزِّراعة فقط، بل تثقلها بالأتاوات والجبايات، فالحكم الفيدرالي المُترهِّل يستمد ميزانيته من الزراعة المسكينة، البنوك التي تدخل في مزارعة أو مرابحة أو حتى سلم، تفوق أرباحها العشرين في المائة, شركات التأمين التي دخلت في الزراعة تؤمن للشركات وتتجاهل المزارع، لذلك سوف تظل الزراعة كل عام ترذل في بلادنا، فمع الغيث النازل في البلاد والذي في مُتوسِّطه أربعمائة مليار متر مكعب بالإضافة للنيل وفُرُوعه ومع الأرض السهلية المُنبسطة التي تصل إلى مائتي مليون فدان صالحة للزراعة، ومع الشمس السَّاطعة، ومع العروتين الصيفية والشتوية، ومع زراعة خمسين مليون فدان في المُتوسِّط، كل عام تظل الإنتاجيّة هي الأقل على مُستوى العالم وذلك لأنّ الدولة لا تُموِّل الزراعة فقط، بل تشن حَرباً عليها.
)2(
وأسطع دليل على )الرمية( أعلاه، ما تقوم به الحكومة تجاه محصول القمح هذه الأيام، ولعلكم تذكرون القرار الكارثة الذي أصدره وزير المالية المُكلّف يومها، الذي هو وزير الدولة بذات الوزارة الآن، والقاضي بحصر بيع إنتاج هذا العام من القمح للمحصول الاستراتيجي عبر البنك الزراعي، ومنع المطاحن من الشراء مُباشرةً من المُزارعين، ومنع البنوك من تمويل أيِّ شراءٍ للقمح، ولما كان القرار غير دستوري وغير عقلاني ولا تُوجد آليات لتنفيذه، لجأت الحكومة إلى لعبةٍ أُخرى، إذ طَلبت أن يُسلّم المُزارعون الذين مَوّلهم البنك الزراعي قيمة التمويل عيناً بواقع )1850( جنيهاً للجوال زنة المائة كيلو، ثمّ منعت المطاحن والتُّجّار من الشراء، فأيِّ عربة مُحَمّلة بالقمح حُدُود حركتها منطقة الإنتاج فقط )تَخيّلوا!!!(، ثُمّ قرّرت أن يحصد المُزارع من جيبه بواقع )750( جنيهاً للفدان ويُرحّل القمح للبنك من جيبه، فيضطر المُزارع لبيع بعض جوالات قمحه بأبخس الأثمان لسداد قيمة الحصاد والترحيل.. وعلى المُستوى القومي قرّرت الحكومة فتح باب استيراد الدقيق نَعم الدقيق ولا عزاء هنا للمطاحن، والحيوانات التي تنتظر الردة – بفتح الراء -، هذا مع انعدام السُّيولة أصلاً..!
باختصارٍ شديدٍ )تفت( الحكومة السوق، فأصبح الآن – اليوم العلينا دا – سعر الجوال في السوق )1750( جنيهاً أي أقل من سعر التركيز بمائة جنيه، لأنّ المُزارع مُحتاج للكاش لمُقابلة الالتزامات المُشار إليها.. فمبروك عليك أيُّها الحكومة انتصارك الكبيييير على المُزارع )ستة صفر(!!
)3(
لعبة الحكومة لن تفوت على المُزارع، فسوف يبذل قصارى جهده لكي يُخزِّن أكبر كمية من قمحه ويُجفِّف السوق وسوف يظهر هذا بعد أيام الحصاد هذه.. فهل سوف تصدر الحكومة أمر طوارئ لدخول بيوت المُزارعين ومُصادرة قمحهم لكي يهجر المُزارعون زراعة القمح نهائياً؟ أم سوف تستمر في استيراد القمح والدقيق الأوكراني ليتجاوز الدولار حاجز المائة جنيه؟!
إنّ قمح هذا المُوسم كان يُمكن أن يعطي البلاد أكثر من ثُلث استلاكها السنوي لو اعتبرت الحكومة أنّ الإنتاج هَـمٌّ مُشتركٌ بينها وبين المُزارع، وأعطته ما يُكافئ جهده ويُشجِّعه للمُوسم القادم، ولكن الحكومة آثرت هذه اللعبة غير المسؤولة ليس غباءً منها، بل هُناك صاحب منفعة يقف خلف مُتّخذ القرار ويملي عليه ما يُريد!! إنّه كارتيل استيراد القمح وكَمَان جَابت ليها كارتيل استيراد دقيق.. وتبكي يا بلدي الحبيب..!!

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد