شكّل الأسبوع الماضي نقطة انطلاقة لمحاصرة تنظيم الإخوان “الكيزان” البائد في السودان، بعدما سقط كبار قادته بيد العدالة، وتحرك الشعب في مظاهرات حاشدة لمحاكمتهم، وإبعاد آخرين عن مؤسسات الدولة.
وبالتزامن مع حملة اجتثاث تنظيم الإخوان ومحاكمة رموزه، يمضي السودان بخطوات ثابتة للتطبيع مع العالم، وكسر العزلة التي سببتها الممارسات الإرهابية لحكومة الحركة الإسلامية السياسية على مدى 3 عقود.
الأسبوع الماضي شهد زيارة مهمة للرئيس الإريتري أسياس أفورقي للسودان لأول مرة منذ 5 سنوات، بجانب زيارة مماثلة لوزير الخارجية الفرنسي جان لودريان بعد انقطاع 10 سنوات، ووصل أيضا للخرطوم وزير الدولة للتعاون الدولي السويدي، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط.
وزار رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك مصر في ثاني محطاته الخارجية بعد جنوب السودان، ويرتب لزيارة السعودية، بجانب الولايات المتحدة للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي تحركات إيجابية في مسار التطبيع مع العالم.
محاصرة الإخوان
كان الأسبوع المنصرم كالجذوة المتقدة تحت أقدام الإخونجية في السودان، حيث ألقي القبض على كاتم أسرارهم محمد أحمد علي الشهير بـ”الفششوية” في اتهامات فساد، بجانب حظر الحسابات البنكية لزوجة البشير، وداد بابكر، ونائبه علي عثمان محمد طه، والإخواني البارز عبدالرحمن الخضر الهارب لتركيا.
ولم تتوقف صفعات السلطة الجديدة في السودان تجاه “الإخوان” عند هذا الحد، ولكنها امتدت لاجتثاث كوادر الحركة الإسلامية السياسية المتغلغلين في مؤسسات الدولة.
ففي بداية الأسبوع الماضي أقال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك الإخواني المكروه عيساوي عن رئاسة هيئة الإذاعة والتلفزيون.
وامتدت حملة النظافة لتشمل إقالة وكلاء وزارات المالية، والخارجية، والتعليم العالي المحسوبين على النظام الإخواني البائد، بينما هرب مديرو 30 جامعة حكومية من حرج الإقالة، وسارعوا بتقديم استقالاتهم لمجلس السيادة.
وبلغت الصفعات على وجه تنظيم الإخوان الإرهابي ذروتها، بعد قرر المجلس حل الوحدات الجهادية والتحفظ على مقارها، وهي مليشيا تابعة للحركة الإسلامية السياسية داخل الجامعات، وتعمل على إرهاب الطلبة المناوئين للفكر الإخواني وتقويض الاستقرار الأكاديمي.
الإجراءات الرسمية في مواجهة التنظيم البائد، صاحبها حراك شعبي لكنس الحركة الإسلامية السياسية؛ حيث احتشد آلاف السودانيين أمام مقر وزارة العدل بالخرطوم، مطالبين بمحاسبة رموز النظام المعزول
رضا الشارع
تلك التحركات أثارت رضا وتفاؤل الشارع السوداني بتحجيم تنظيم الإخوان الإرهابي واجتثاثه، فيما يعتقد محللون أن ما تم يمثل بداية فعلية لاجتثاث الحركة الإسلامية السياسية ويؤكد صدق نوايا السلطة الجديدة في هذا الاتجاه.
ويرى الصحفي والمحلل السياسي، عبدالواحد إبراهيم، أن القرارات التي اتخذها مجلس السيادة ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك، في مواجهة الإخوان تمثل واحدا من أهم المطالب الشعبية والثورية، حيث يتطلع شعب السودان لاجتثاث جميع منسوبي الحركة الإسلامية بمؤسسات الخدمة المدنية”.
يقول إبراهيم لـ”العين الإخبارية”: “الحركة الإسلامية عملت على تمكين كوادرها غير المؤهلين في مؤسسات الخدمة المدنية؛ ما قاد إلى انهيارها وضعف أدائها؛ الشيء الذي انعكس سلبا على مجمل الأوضاع في البلاد، وهو ما دفع السودانيين للقيام بثورة عارمة لتنظيف الإخوان من جسد الدولة”.
وأضاف: “ما تم حتى الآن في سبيل محاصرة الإخوان دون طموح وتطلعات الشارع السوداني، وينبغي اتباعه بمزيد من الخطوات العاجلة لإنهاء وجود عناصر الحركة الإسلامية السياسية بمؤسسات الدولة، لتتحقق معها تطلعات الشعب”.
كسر العزلة
يرى الأكاديمي السوداني عبداللطيف محمد سعيد أن زيارات الرئيس الإريتري أسياس أفورقي ووزير خارجية فرنسا ووزير الدولة للتعاون الدولي السويدي وقبلهم وزير خارجية ألمانيا، وضعت أساسا لعودة السودان إلى حضن العالم بعد أن عاش 3 عقود في عزلة دولية نتيجة الممارسات الإرهابية لتنظيم الإخوان.
وقال سعيد لـ”العين الإخبارية” إنه بعد سقوط نظام الحركة الإسلامية بقيادة عمر البشير أصبحت الظروف مهيأة لإعادة علاقات السودان مع مختلف دول العالم وبخاصة الجوار الإقليمي، مشيرا إلى أن عودة العلاقات الثنائية مع إريتريا تمثل أحد المكاسب الكبيرة التي تحققت خلال الفترة القليلة الماضية لأهميتها.
وتوقع أن تحدث زيارة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك المرتقبة إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، اختراقات في علاقات السودان مع عدد من دول العالم لا سيما مع الإدارة الأمريكية التي ينتظر أن يبحث مع مسؤولين بها مسألة إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
دفع عملية السلام
في إطار تهيئة بيئة السلام، قرر مجلس السيادة السوداني، نهاية الأسبوع الماضي، إسقاط عقوبة الإعدام عن 8 من محكومي حركة “تحرير السودان” قيادة عبدالواحد نور التي تقاتل في إقليم دارفور غربي البلاد.
قرر المجلس بحسب المتحدث الرسمي باسمه، محمد الفكي سليمان، إطلاق سراح 18 من سجناء الحركات المسلحة، والإفراج عن 3 من المتحفظ عليهم في مقار أمنية مختلفة.
وقال الفكي، في تصريحات صحفية، إن القرارات تأتي في إطار تنفيذ اتفاق إعلان المبادئ وبناء الثقة الموقع مع الحركات المسلحة في عاصمة جنوب السودان جوبا الأسبوع الماضي.
وأوضح أن اللجنة المكلفة بتسهيل عملية التفاوض ظلت على اتصال وتشاور مستمرين مع الحركات المسلحة من أجل تنفيذ كل ما تم الاتفاق عليه قبل بدء المفاوضات المقرر لها أكتوبر المقبل.
وأشار إلى أنه سيتم فتح المسارات لوصول المساعدات الإنسانية ورفع الحظر عن قادة الحركات المسلحة الممنوعين من دخول البلاد.
ووقّعت الحكومة السودانية، الأربعاء قبل الماضي، اتفاق “إعلان جوبا” مع تحالف الجبهة الثورية الذي يضم نحو 6 فصائل مسلحة، واتفاقا مماثلا مع الحركة الشعبية شمال قيادة عبدالعزيز الحلو.
وتضمنت الاتفاقيتان إجراءات تمهيدية لبناء الثقة توطئة للدخول في مفاوضات بحلول منتصف أكتوبر المقبل، على أن تنتهي قبل 14 ديسمبر، في جوبا وبرعاية مباشرة من حكومة دولة جنوب السودان.
وحظيت القرارات بترحيب من الفصائل المسلحة السودانية، بوصفها تطبيقا عمليا للاتفاق المبرم في عاصمة جنوب السودان جوبا، وهو ما دفع كثيرين للاستبشار خيرا باقتراب موعد تحقق السلام في البلاد.