ظل مصطلح “الثوابت الوطنية” الذي يُردده مسؤولو الدولة والمنشور في ميثاق الشرف الصحفي – دون تفصيل – حمال أوجه، وخميرة عكننة بين الصحافة والسلطات.
ولعل البعض يتذكر ما حدث قبل أعوام وخلال بضعة أيام، حينما صدر حظر نشر في قضية فساد مكتب والي الخرطوم، ليتبعه قرار حظر النشر في ملف وكيل وزارة العدل الذي اتهم بامتلاك قطع أراضٍ بصورة غير مشروعة، فضلاً عن منع النشر في موضوع حبس الصادق المهدي في زنازين الأمن.
قبل حظر النشر في تلك القضايا، اُتُخِذت إجراءات استثنائية في مواجهة بعض الصحف.
وقبل حظر النشر أيضاً، داهمت نيابة الأراضي، صحيفة )الصيحة( واقتادت رئيس التحرير إلى مبانيها.
وخلال سنوات، ظلت نيابة أمن الدولة، نيابة المعلوماتية، ونيابة الصحافة، تستدعي الصحفيين للتحري معهم وقد يصدف أن يكون التحري في قضية واحدة تخضع لقوانين مختلفة.
جهاز الأمن صادر من قبل 10 صحف لنشرها خبراً من إحدى الناشطات، يتعلق بتحرش سائق بص بأطفال.
سيظل مفهوم الأمن الوطني والقومي، مختلفاً بين الصحافة والسلطات، فالأولى تنظر إليه كمفهوم ثابت غير خاضع للتقلبات، بينما بإمكان الطرف الآخر، أن يُعرفه ويُفسره وفقاً للمتغيرات.
لن ينجح الميثاق مُطلقاً في إيقاف ما كان موجوداً ومتبعاً، فعمل أي منهما يختلف عن الآخر، لكن من المؤمل أن يُقرب الرؤى والشقة.
من المُحبط حقاً، أن يكون المُبتغى هو إيقاف إجراءات استثنائية أو التوافق على طريقة عمل صحفية ووضع سقف للحرية، في وقت تتجه فيه الدول إلى بناء شراكات حقيقة مع الإعلام لتحقيق أهداف أسمى وأعمق من التي نرجوها نحن.
الدول تستفيد من إعلامها في خدمة قضاياه، فتسعى للدخول “سراً”، أو في قلة من الأحيان “علناً”، في تعاون مع وسائل إعلامية قوية يمكن أن تخدم بعض أهدافها وسياساتها، لا أن تقيدها وتكبلها وتعتقد أنها ستجدها وقت الحاجة.
نريد أن نبتعد عن هذه المرحلة، ونقفز إلى أخرى بعيدة لا تتعلق بمنع الدخول إلى مؤسسة، أو المصادرة والاستدعاء والإيقاف عن الكتابة.
الاشتباه في مجرد حضور “لقاءات” أو تلبية دعوات، والإسراع بالمعاقبة على ارتكاب أخطاء، يباعد بين السلطة والصحافة.
الشراكة بين الاثنين ممكنة بل ومطلوبة، فكلاهما يحتاج إلى الآخر دون مزايدة.
التجارب واضحة.. الإعلام الضعيف موجود والقوي والمؤثر موجود، والمواثيق ما لم تُغيِّر المفاهيم لن تُغني أو تفيد.