هل يتنحى عمر البشير بعدما تبين أن الجيش لن يتدخل في مواجهة المتظاهرين، وبعدما تقدمت قوات منه لحمايتهم من رصاص قوات الأمن؟ الكلام في السودان اليوم يجري على “ما بعد” البشير، والسفارات الغربية بدأت تطرح أسماء محتملة لخلافته موقتًا.
الخرطوم: قالت سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج في السودان إنه آن الأوان للسلطات السودانية كي تعرض “خطة انتقال سياسي تحظى بالصدقية”، في مواجهة التظاهرات ضد النظام التي تشهدها البلاد منذ أشهر.
وقالت سفارات الدول الثلاث في بيان مشترك نشر في الخرطوم: “آن الأوان للسلطات السودانية كي ترد على هذه المطالب الشعبية بطريقة جدية وتحظى بالصدقية”.
سيتنحى؟
نقلت تقارير صحفية عن مصدر عسكري سوداني قوله إن الرئيس عمر البشير سيتنحى قريبًا، بعد تصاعد التظاهرات الشعبية ضده، وتنظيم آلاف المتظاهرين اعتصامًا أمام مقر القوات المسلحة في الخرطوم.
بحسب المصدر العسكري نفسه، يتوقف إعلان قرار البشير بالتنحي على أمرين: الأول، التوافق بين الجيش وحزب المؤتمر الشعبي وقطاعات الأمن والدول العربية الداعمة على خليفة البشير الذي قد يكون رئيسًا موقتًا لأشهر عدة، حتى انتخاب رئيس أصيل للبلاد؛ والثاني، والكلام يبقى للمصدر العسكري السوداني، هو بحث الخروج الآمن للبشير بعد تنحيه وانتقاله إلى دولة عربية، ربما تكون المملكة العربية السعودية.
توقع المصدر العسكري السابق ذكره أن يعلن البشير تنحيه عن السلطة خلال أسبوع، إلا أن وزير الإعلام السوداني حسن إسماعيل نفى الإثنين الأخبار التي تفيد بأن البشير سيسلم السلطة للجيش.
إلى ذلك، ترأس البشير مساء الإثنين اجتماعًا للمكتب القيادي للحزب الحاكم، على الرغم من تفويضه صلاحياته كرئيس للحزب إلى نائبه منذ مطلع مارس الماضي، تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية.
أسماء متداولة لخلافة البشير
وفي متابعة للأنباء التي تتحدث عن إمكانية تنحي البشير، يتم التداول بثلاثة أسماء يطرحها الأميركيون وسفارات دول غربية، ربما تؤدي دورًا مهمًا في مرحلة ما بعد البشير، وهي:
-الفريق أول مهندس ركن مصطفى عثمان العبيد، رئيس الأركان المشتركة الجديد، وهو أعلى منصب مهني بالقوات المسلحة بعد منصبي وزير الدفاع والقائد الأعلى. خدم في سلاح المهندسين في أغلب مناطق السودان حتى بلغ رتبة العميد مهندس ركن. تقلد مناصب عدة، منها ﻗﺎﺋﺪ ﻣﺘﺤﺮﻙ ﻋﺰﺓ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ، وﻗﺎﺋﺪ المنطقة الاستوائية (2002-2005)، وﻗﺎﺋﺪ سلاح ﺍﻟﻤﻬﻨﺪﺳﻴﻦ. وهو تابع ﺩﻭﺭﺍﺕ عسكرية في الولايات المتحدة وسورية. كان ﺭﺋﻴﺴًﺎ لأﺭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﺒﺮﻳﺔ، وعين السبت وزيرًا مكلفًا للدفاع.
-الفريق أول مهندس ركن عماد الدين مصطفى عدوي، رئيس أركان سابق، كان مديرًا لأكاديمية نميري العليا. عين موجهًا بالأكاديمية العسكرية العليا، وقائدًا للفرقة السادسة مشاة، وقائدًا للمنطقة العسكرية الغربية، ومديرًا لمشروع منظومة القيادة والسيطرة.
-الفريق أول علي سالم أحمد، وزير دولة بوزارة الدفاع ورئيس هيئة الاستخبارات سابق، كان واليًا على ولاية الجزيرة قبل أن تطاله التغييرات التي تمت في هيئة أركان الجيش في سبتمبر الماضي، حيث تمت ترقيته إلى رتبة فريق وإحالته للتقاعد.
استفتاء مليوني
وقال حزب المؤتمر الوطني في بيان إن البشير ترأس اجتماعًا للمكتب القيادي للحزب. ونقل البيان عن البشير قوله: “حفظ الوطن واستقراره أولوية قصوى، والشعب السوداني يستحق أن يعيش في دولة مطمئنة، وهذه مسؤوليتي”.
إلى ذلك، قال الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة المعارض، في مؤتمر صحافي إن مسلحين ملثمين يقومون فجر كل يوم بغارة على المعتصمين، “ما أدى حتى الآن إلى مقتل نحو 20 وجرح العشرات، والاعتداء على آخرين.
وعن الاعتصام المستمر، علق بالقول: “إنه استفتاء مليوني يؤكد حرص الشعب السوداني على تنحية هذا النظام وإقامة نظام جديد، والحل الأمثل هو الاستجابة لمطالب الشعب بتنحي النظام ورئيسه وتحقيق المطالب التي نادت بها قوى الحرية والتغيير”.
التواصل مع القوات المسلحة
للمرة الأولى منذ اندلاع الاحتجاجات في السودان في 19 ديسمبر الماضي، يتخذ الحراك الشعبي منعطفًا جذريًا بسعي “تحالف الحرية والتغيير” الذي يقود الاحتجاجات إلى التواصل مع القوات المسلحة السودانية، إنطلاقًا من ضرورة هذا التواصل من أجل تأمين انتقال السلمي للسلطة، ودعم خيار الشعب السوداني في التغيير والانتقال إلى حكم مدني ديموقراطي، وذلك بحسب بيان دعا فيه التحالف القوات المسلحة السودانية إلى دعم خيار الشعب السوداني في التغيير والانتقال إلى حكم مدني ديمقراطي، والعمل على رحيل البشير، وتأليف حكومة إنتقالية.
كما دعا البيان القوات المسلحة إلى سحب غطائها عن نظام فقد مشروعيته، وقطع الطريق أمام محاولاته البائسة لجر البلاد إلى العنف، علمًا أن الجيش لم يتدخل يومًا في قمع التظاهرات، تاركًا هذه المهمة لجهازي الأمن والمخابرات وشرطة مكافحة الشغب.
الجيش يبعد الأمن
بحسب تقرير نشرته وكالة الصحافة الفرنسية الثلاثاء، أطلقت قوات الأمن السودانية الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين المحتشدين قرب مقر الجيش في الخرطوم لليلة الثالثة على التوالي، كما سمع دوي إطلاق نار استمر بين ثلاث وأربع دقائق.
وأفاد صباح الثلاثاء شهود من الخرطوم بسماع دوي أعيرة نارية بالقرب من المكان الذي يعتصم فيه آلاف المعارضين أمام مقر قيادة الجيش، وإن كان من غير الواضح تحديد مصدر النيران. وأضاف الشهود أن قوات الأمن أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع على الجموع المحتشدة.
ونسبت الوكالة إلى شاهد قوله: “كان هناك إطلاق كثيف للغاز المسيل للدموع، فتح الجنود بوابات المجمع بعده للسماح للمتظاهرين بالدخول”.
أضاف: “بعد دقائق، أطلق جنود النار في الهواء لإبعاد عناصر الأمن الذين أطلقوا الغاز المسيل للدموع”. وأكد شاهد آخر الأمر نفسه.
يأتي ذلك بعد ساعات من تصريحات لوزير الدفاع السوداني عوض محمد أحمد بن عوف، قال فيها إن الجيش يقدر أسباب الاحتجاجات، “لكنه لن يسمح بانزلاق البلاد نحو الفوضى، ولن يتسامح مع أي مظهر من مظاهر الانفلات الأمني”.
وحذر بن عوف، وهو أيضًا النائب الأول للرئيس السوداني عمر البشير، من أن هناك جهات تحاول استغلال الأوضاع الراهنة لإحداث شرخ في القوات المسلحة، وإحداث الفتنة بين مكونات المنظومة الأمنية بالبلاد، بحسب تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السودانية الرسمية.
أضاف بن عوف أن القوات المسلحة هي صمام أمان هذا البلد، “ولن تفرط في أمنه ووحدته وقيادته”.
نريد ما حصل بالجزائر
أكد “تجمع المهنيين السودانيين”، أحد أعمدة الحراك السوداني، في بيان ما حصل أمام مقر الجيش السوداني، وقال إن قوات من الجيش تصدت لعناصر الأمن التي هاجمت المعتصمين بالرصاص وقنابل الغاز المسيل للدموع. ودعا التجمع الجيش إلى مفاوضات تبحث ترتيبات الانتقال السياسي.
قالت سارة عبد الجليل، الناطقة بلسان “تجمع المهنيين السودانيين” ونقيبة الأطباء السودانيين في بريطانيا، لوكالة الصحافة الفرنسية إن العنف عقبة أمام نجاح الحراك السوداني، “فلو كانت قوات الجيش والشرطة السودانية مستقلة، لو سمح لنا بممارسة حقنا في حرية التعبير، لما كنا اليوم في هذا الوضع، لكانت استقالت الحكومة كما نطالب منذ سنوات”.
أضافت عبد الجليل: “ما حصل في الجزائر هو بالضبط ما نطالب به. في الجزائر الجيش مستقل. لم يتعرض المتظاهرون للعنف أو القتل أو السجن ولم تنتهك حقوقهم. بالتالي تكللت مقاومتهم بالنجاح”، داعية المجتمع الدولي إلى إدانة ما يحصل في السودان، ودعم مطالب المحتجين، وهي “استقالة الحكومة ونقل السلطات وإعادة إعمار السودان من خلال وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان والترويج لحقوق المرأة ومساهمة الشعب في إعادة صياغة الدستور”.