من حق رئيس الوزراء حمدوك أن يحيط نفسه بمجموعة من المستشارين، فليس في الأمر عجب ولا مطعنة، فهي سنة ماضية في كل رئاسات العالم، ما من رئيس الا وحوله عدد من المستشارين يختارهم بنفسه، ولكن السؤال هل تكون استشارة هؤلاء المستشارون ملزمة أم معلمة فيما يستشارون حوله، نقول ذلك وفي الذاكرة ما اكتنف منصب المستشار من ابتذال وافراغه من معناه خلال العهد المباد، اذ عين المخلوع البشير درزينة من المستشارين الرئاسيين بلغ عددهم في وقت ما ثلاثة عشرة مستشارا هذا غير سبعة من المساعدين انتشروا في مكاتب عديدة خارج القصر الرئاسي، ولم تكن كل هذه (الهلمة) تفعل شيئا، اذ كان جل ان لم يكن كل هؤلاء المستشارين لا يحضرون إلى مكاتبهم إلا مرة في الشهر (ربما لقبض المرتب)، فلم يكونوا يستشارون في شيء ولا مهام واضحة ومحددة لكل منهم يؤديها، ولهذا انصرفوا لملء هذا الفراغ العريض بالأنس والضحك والقرقرة مع جلسائهم من الأصحاب والمعارف وتناول أكواب الشاي والقهوة، حيث لم يكن الغرض من تعيينهم رفد الرئيس باستشارات ذات قيمة وانما فقط لتدبير وظائف لهم فرضتها الترضيات القبائلية والمحاصصات السياسية..
اختار حمدوك الآن عدد ضئيل ومحدود جدا ليعملوا معه كاستشاريين، ثلاثة رجال وسيدة وباختصاص محدد لكل منهم، صحيح أنه من الصعب أن يعرف رئيس الوزراء معرفة كاملة وحقيقية بكل من اختارهم، ولكن في النهاية يبقى هو اختياره الذي يتحمل مسؤوليته، فالمؤكد أن الناس لن يتفقوا على كل أو معظم من تم اختيارهم، ربما بسبب عدم معرفتهم بهم، وربما بسبب تشويه النظام البائد لبعض الشخصيات التي ناضلت ضده، ولكن في المحصلة يبقى المحك في مدى فعالية هؤلاء المستشارين الجدد في احداث الفارق بأن يظهر أثرهم على أرض الواقع وينعكس على أداء الحكومة في الملفات والمهام الموكلة لهم بتقديم الرأي السديد والمشورة الصحيحة، وإذا كانت مهمة الحكومة الانتقالية هي تجاوز عراقيل الحكم البائد المنتشرة أوصاله في كل القطاعات، فلا بد أن يكون المستشارون الجدد يتمتعون بالكفاءة والمعرفة والرؤية لضمان تحقيق الإستراتيجية العامة للحكومة، وظني ان ذلك ما انتهجه حمدوك في اختياراته خاصة وأنه ظل يردد كثيرا تعويله على الكفاءة والتأهيل والخبرة،
فالاستشارة وظيفة قيمة وذات قيمة معنوية كبيرة للجهة التي يعمل بها، حيث تتلخص وظيفته في تقديم المعلومة الصحيحة والدقيقة في الوقت المناسب لاتخاذ القرار الصحيح. ومن أهم مهامه طرح الخيارات المكملة والمتاحة لصانع القرار في موضوع الاستشارة، وتحليل الخيارات المتاحة على المديين القصير والبعيد، ولابد أن يقوم المستشار بالعمل على إيصال مشاعر وردود فعل المجتمع تجاه القرارات المتخذة وما يقدم من عمل وخدمات، لا أن يعمد المستشار ويتعمد حجب ردود الفعل الاجتماعية، وهذا ما يفرض على المستشار أن يكون ذا صلة وثيقة وارتباط دائم بكل ما يدور في المجتمع..