في برنامج للقصة بقية على قناة الجزيرة سألت المذيعة زميلنا الصحفي فيصل محمد صالح لماذا لا تقبل المعارضة بالحوار والتفاوض مع الحكومة، فأجاب فيصل لأن معظم المعارضين في السجون وليس من المعقول محاورة شخص لا يملك حتى حريته فكيف له أن يملك حق التفاوض هذا أمر مضحك أو كما قال، فرد عليه زميلنا الآخر الذي استوزر ويشغل الآن في حكومة )الكفاءات( منصب وزير الاعلام حسن اسماعيل وكان هو ضيف البرنامج من الضفة الأخرى قائلا ولَم لا فحكومة الفصل العنصري فاوضت نيلسون مانديلا و هو في السجن، ومع نهاية افادة الوزير انطلقت مني بشكل لا ارادي ضحكة عالية، فقد ذكرتني افادة الوزير هذه بمقولة ساخرة في الخصوص للمرحوم الدكتور الترابي، كان ذلك على أيام المفاصلة وحين نشطت الجوديات ومحاولات رأب الصدع بين القصر والمنشية، وكان الترابي حبيس أحد السجون، زاره في محبسه مجلس جودية بغية مناقشته للملمة الموضوع وإعادة اللحمة بين الفريقين، ولكن الترابي ردهم خائبين بكلمة جامعة مانعة مؤداها أن )لا رأي لحبيس( وكان هذا الرد الفاحم القاهم من ذكاء الترابي المعروف، فقد افتقد مجلس الجودية ذاك للحصافة والكياسة اذ كان الأجدر به أولا أن يسعى لاطلاق الشيخ من سجنه ثم يشرع من بعد ذلك في محاورته ومناقشته في أجواء من الحرية والطلاقة، وما أشبه ما قاله فيصل بما قاله الترابي وما أشبه مسعى وزير الاعلام الجديد لمحاورة السجناء من وراء القضبان بمسعى مجلس الجودية الذي خاب وطاش..
أم هل يا ترى يريد وزير اعلام حكومة )الكفاءات( والناطق بلسانها أن يرتب لحوار تجري وقائعه على ذاك النهج الذي كان الزعيم المصري الكبير سعد زغلول قد سخر منه وأطلق علىه عبارته التي جرت مثلاً »جورج الخامس يفاوض جورج الخامس«، حين وجد أن الإنجليز وكان ملكهم حينها هو جورج الخامس، قد أوكلوا من عينوه هم من المصريين على رأس الوزارة في مصر لمفاوضة المصريين، وبدا الأمر وكأن الإنجليز يريدون مفاوضة أنفسهم وليس المصريين ومن يمثلونهم.. أما الحوار الحقيقي والجاد والحضاري فمن أول شروطه أن يتم في أجواء كاملة من الحرية وأن يكون وسيلة لغاية وليس هدفاً لذاته، بمعنى أن يكون الحوار من أجل الحوار فحسب، ويشترط فيه أيضاً أن تكون أسسه واضحة وأطرافه متفقة على القضايا موضوع الحوار، ونية الطرفين منعقدة فعلاً للبحث الجدي عن حلول ومخارج عملية للمشكلات والقضايا المتحاور حولها، فإذا استوفى الحوار هذه الشروط عندها يكون هو الحوار المطلوب المنتج والمثمر والمحمود، أما بغير ذلك وخاصة إذا جاء بالفهم الذي عبر عنه الوزير فذلك هو الحوار المستحيل الذي لن ينعقد أبدا، ولن يعدو حوار السجناء من السياسيين والناشطين من وراء القضبان الذي عناه حسن إسماعيل أن يكون سوى )محركة( وليس حوار..