استبشرنا خيرا، ولم نخرُج من مُربع الظن الحسن في أنّ خطاب حمدوك للأمة السودانية يحمل في أحشاءه بُشريات جاء يحملها لتزداد بها جُرعة الأمل عند مواطن بلغ حداً بعيداً من اليأس، وذلك لأنّ الخطاب جاء في وقت لا وجود فيه لأي مُناسبة قومية تستدعي مُخاطبة حمدوك (المؤسس) كما يحلو للذين أفاضوا في (شُكرِه) من قبل للأمة الصودانية، انتظرنا واستمعنا باهتمامٍ ونقبنا بين الكلمات وما وجدنا شيئا، آمال وأمنيات ورسائل مُبطنة إلى هنا وهُناك وخوف من غدٍ تدُل مُعطياته على اضطرابه الشديد.
خطاب يشبه إلى حدٍ بعيد خطابه الأول عند استقبالنا الأول له، ولم يختلِف عنه إلّا بغياب مُفردتي (سننتصِر ونعبُر)، واختلفت كذلك تعابير وجه الرجُل الذي بدأ مُتفائلاً في ذاك الزمان، وظهر في خطابه الأخير بوجه يدُل على صُعوباتٍ كثيرة وعراقيل وجدها أمامه لم يحسِب لها من قبل أي حساب، كما ظهرت (الأنا) المتبوعة بمرارة وقد كانت غائبة في خطاباته السابقة وظهرت بوضوح من خلال حديثه الذي حاول أن ينفي فيه صفة الضُعف التي وصفها به البعض من مُنتقديه ويبعد فيها عن مربعات الفشل.
لا عليك يا ريس من يجلس على مقعدٍ كهذا يجب عليه احتمال طعنات سهام البعض وضربات سياط النقد اللاذعة وأن يمضي إلى الأمام في تنفيذ مشروعه (إن) كان هُناك من مشروعٍ (أصلاً) يستحق المُضي فيه قدما، نعم تُعجبنا صفات الهُدوء والرزانة والاهتمام بالحديث الجميل المُنمق المُرتب وهذه الصفات الجميلة التي عهدناها فيك، ولكن يُعجبنا أيضاً وبشدة الحديث عن ما تمّ من مشروعات حقيقية و(بالأرقام) وعن الانجازات التي تصُب (إن) اكتملت في مصلحة الوطن والمواطن، وتُفرحنا الخطابات المملوءة بالأمل القابل للتحقيق، ومعطيات الواقع تقرأ لكُل الناس أنّ الوصول للغد المُرتجى يحتاج منّا لعزيمة واصرار نتحمّل بهما مشقة طريق الوصول إليه.
كُنّا ننتظِر على الأقل في خطابك هذا الحديث (المُباشِر) عن الكهرباء (مثلا) إذ لم نعُد نهتم بحديث من اجلستموه في مقعدها، وقد وعدنا مراتٍ ومرات بأنّ المُشكلة في طريقها للحل، وما نعيشه الأن يدُل على أنّ الأمور ازدادت سوءاً وما من حلٍ يلوح، وقد ملأ وزير الطاقة كُل الشماعات ورمى فيها فشل الغير في إدارة الكهرباء، فضلاً عن التحجّج الدائم بالدولة العميقة التي يزعم وجودها وعرقلتها له، واستنفذ في مؤتمراته الكثيرة كُل التبريرات ولم نرى له من نجاح أو تقدُم يُذكر.
ملفات أّخرى تهُم المواطن وتدور بها ماكينات انتاجه لم تقترِب منها ولن نعبُر أو ننتصِر إن لم نجد الحل الناجع لمشكلاتها، ويقيني بأنّ مبلغ ال (2) مليار دولار التي وعدوك بها، والتي ذكرت أنكم تدّخرونها لحل مشاكل الزراعة والبنيات التحتية والطاقة والصحة والتعليم لن تحُل لنا مُشكلة واحدة من هذه المشاكل المُستعصية المُزمنة.