(1)
الفصيلان اللذان تقدما لتشكيل الفترة الانتقالية (ضوابط دستورية، ومؤسسات وشخوص) وهما المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير لم ينجحا حتى هذه اللحظة في العبور نحو تلك الغاية لا بل لم ينجحا حتى في إحداث اختراق يرفع درجة الأمل والتفاؤل فيهما والعلاقة بينمها (تمشي اتنين وترجع ثلاثة). ففي هذه اللحظة التي نكتب فيها هذا المقال مساء الجمعة 10 مايو 2019 العلاقة بينهما في اسوأ حالتها فقوى الحرية والتغيير تتهم المجلس العسكري بالمماطلة و(الجرجرة) وأنه يريد (زحلقتها) بإدخال لاعبين جدد في التفاوض ليس هذا فحسب بل صوبت السهام لأعضاء المجلس بالاسم متهمة إياهم بأنهم جزء من النظام السابق ومن الذين ولغوا في فساده, وهددوا بالتصعيد على مستوى الشارع لدرجة العصيان المدني. المجلس العسكري من جانبه يرد على قوى التغيير والحرية بالأفعال فالرد الذي قدمه لوثيقتهم الدستورية والناقصة باعترافهم فيه الكثير من التعسف وإدخل أشياء ليس هذا أوانها مثل مصادر التشريع والهوية والذي منه وطالب قوى التغيير بتفويض مكتوب للذين يمثلونهم كما أنه فتح باب التفاوض مع القوى الأقرب للنظام السابق والأخطر من كل هذا بأنه هدد بإجراء الانتخابات خلال ستة أشهر في حالة عدم الوصول لاتفاق مع قوى التغيير.
(2)
مما تقدم اتضح لنا أن كل فريق من الفريقين المعول عليهما قد فتح دولابه وأخرج بعض عصيه وأشار إلى أخرى في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من فراغ إداري كامل وأزمات اقتصادية خانقة. ذات الأزمات التي أودت بالنظام السابق والضغوط الدولية من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي تتزايد والمحاور العربية المتصارعة تزيد من تدخلها في الشأن السوداني والتفلتات الأمنية كل يوم في ازدياد وهيبة الدولة كل يوم تتراجع وقد أصبح الباب مفتوحاً لتطورات مخيفة في الحسبان وبعضها فوق الحسبان ففي مثل هذه الأجواء الضبابية التي تقصر فيها مدى الرؤية تدخل أجندات كان يظنها الناس مستحيلة أو بعيدة على العموم الخوف على البلاد والعباد بدا يتصاعد بصورة غير عادية وبدأت الأيدي تتجه إلى القلوب والقدرة على الفعل تقل كل ساعة.
(3)
المخرج في تقديري أن يظل التركيز على المجلس العسكري وقوى التغيير والحرية قائماً والثقة فيهما يجب أن لا تتبدد فقد بدآ بداية موفقة عندما تفاوضا تفاوضاً مباشراً، وقدمت قوى الحرية السبت عندما اعترفت بالمجلس العسكري بأنه الحاكم بوضع اليد وتراجعت عن إعلان أي مؤسسات حكم أو حكومة في الميدان وهذا جنب البلاد شراً مستطيراً، ومن جانبه قدم العساكر سبتاً يتمثل في الاعتراف بقوى التغيير كمفجر للثورة ومعبر باسمها كما أنه منع المسيرات المناوئة لقوى التغيير فليرجع الطرفان للتفاوض اليوم قبل الغد بل الساعة وهنا لا بد من استصحاب اقتراح السيد ياسر عرمان الإجرائي بأن تكون المفاوضات سرية فوضع السودان مرتبط بقوى إقليمية وعالمية وليس كل ما يعرف يمكن أن يقال في العلن. على الطرفين أن يقللا من التصريحات والمؤتمرات الصحفية (المهببة) وأن يفتحا الباب للوساطة الداخلية أكرر الداخلية.. فالبلاد تعج بالشخصيات الوطنية المخلصة والمتجردة والعالمة ذات التجربة، على المجلس العسكري أن يقنع الآخرين بأنه ليس امتداداً للنظام السابق وعلى قوى التغيير أن توحد رؤيتها وتعمل بقاعدة ما لا يدرك كله لا يترك جله فكل يوم يمر يغير من توازنات القوى وإذا أمد الله في الآجال سوف نرجع للنقطة دي فاللهم احفظ السودان وأهل السودان.