صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

لو… ولو… ولو

10

زاوية غائمة
جعفر عباس
لو… ولو… ولو


لو كنت »حكومة« لفزت في الانتخابات والاستفتاءات كافة بجدارة من دون حاجة إلى تزوير أو سجن خصومي أو تعذيبهم، ذلك أنني -فيما أعتقد- قريب من نبض الجماهير، وأحس بمعاناتهم لأنني واحد منهم، ولأنني مثل معظمهم قضيت معظم سنوات عمري وأنا مواطن درجة »زفت«… ويخيل إليّ أن أهم مؤهل يفتقده كبار المسؤولين عندنا هو معرفة تفاصيل حياة الناس، بالمعايشة والمخالطة غير المكلفة، فلو قام وزير البلدية مثلاً بارتداء ملابس عادية وغشى بعض المطاعم التي يتمتع أصحابها بمشاعر مودة تجاه القوارض والحشرات، ويحرصون من ثم على استضافتها في مطاعمهم، ولو تناول هناك طبق سلطة فيه ورقة خس مكسوة بالمبيدات الحشرية بدلاً من المايونيز، ولو توقف وزير التجارة عند بقالة الأمانة في حي العفاريت لشراء بسكويت لعياله ليكتشف أن العلبة الواحدة صنعت ثلاث مرات في تواريخ مختلفة، ولو زار وزير الصحة مركزًا صحيًا في أطراف مدينة غير العاصمة ليرى بنفسه كيف أن ذلك المركز هو أكبر مصدر للباكتيريا في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، ولو تسلل وزير التعليم إلى ابتدائية حي الجَرَب الغربي حيث توشك الجدران على الركوع مستجدية عملية تجميل أو أطراف صناعية… ولو زار وزير العمل مجمعات التسوق والمقاهي ليجد زهرة شبابنا يتبادلون الأكاذيب عن حبيبات وهميات وجعلوا من ذلك »فُل تايم جوب«، أي وظيفة بدوام كامل… ولو تفقد بقية الوزراء أداء الأجهزة التي تتبع لهم، على نحو منتظم بعيدًا عن الهيلمان والطيلسان والـ»ويوا ويوا« التي تطلقها الدراجات النارية وسيارات الأمن التي تعلن تحركات »سعادتهم«- اعتذر للمناصب الوزارية الواردة أعلاه، فكما هو حادث في جميع الدول في الطوفة الهبيطة )بعامية الخليج، والحيطة القصيرة في عامية السودان ومصر( هم وزراء قطاع الخدمات ومعهم وزير التجارة.
سيقول أصحاب السعادة إنهم »مش فاضيين« وإنهم لا بد من أن يوجدوا في مكاتبهم للاطلاع على التقارير واتخاذ القرارات… اسمحوا لي أن أطرح سؤالاً غير بريء: هل تعليق الواحد منكم على هذه المذكرة أو تلك »حديث قدسي«؟ لماذا لا يتم تخويل موظفين دون مرتبة وزير أو مدير بخمس درجات صلاحيات التوقيع على المستندات الرسمية بدلاً من أن يدفن كل وزير رأسه طول اليوم وراء تلال من الملفات؟ ما جدوى أن يعج كل جهاز حكومي بجيش من الطراطير إذا لم يكونوا قادرين على إجازة واعتماد التقارير في غياب المدير أو الوزير؟ ولماذا تتعطل مصالح العباد لأن مسؤولا ما في إجازة أو مهمة خارجية؟ متى نتعلم ان تفويض الصلاحيات من مصلحة العمل ومصلحة المواطن؟
الشيء المحيّر أن كثيرًا من الموظفين عندنا يتعرضون للمساءلة وخصم المرتب وتجميد الترقية لأنهم يتغيبون أو يأتون إلى مواقع العمل متأخرين، وأمام مجالس التأديب يقول هؤلاء المتسيبون صراحة إنهم بلا عمل وإن وجودهم في المكاتب »زي قِلّته«، ومع هذا يوقع عليهم العقوبات مديرون ورؤساء لا يغادرون بيوتهم قبل العاشرة، ووجودهم في مواقع العمل أو عدمه سيان، لأن مكاتبهم ديوانيات وصالونات اجتماعية، ولكل منهم سكرتير أو سكرتيرة مهمته الأساسية حماية سعادته من »المراجعين«، ولو كان الأمر بيدي لشجعت كبار المسؤولين على التسيب والزوغان، وتركت العيش لصغار الموظفين لأنهم سيأكلون نصفه فقط!
وربما بسبب أفكاري الهدامة أعلاه لم تفكر حكومة سودانية في إسناد منصب وزاري لشخصي، مع ان عدد المناصب الوزارية المركزية وفي الولايات يربو على اربعمائة، ومع اننا في السودان نعاني من »عجز« في ميزان الاستوزار بدليل ان حكومتنا الحالية ظلت تعيد تدوير الوزراء طوال ثلاثين سنة فيصبح وزير الشؤون الاجتماعية وزيرا للمالية حينا وللدفاع حينا ثم النفط.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد