اللقاء السري الذي تم بين رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان والرئيس الإسرائيلي أغضب الشعب السوداني وكان بمثابة أكبر خزلان له، ليس فقط لأنه قابل رئيس دولة مثيرة للجدل تبحث عن القبول بأي ثمن، وإنما لأنه انتهك مبادئ الثورة، وحتى ولو كان الهدف مصلحة السودان كما قال وبرر فالأمر غير مقبول. وبلا شك مصلحة السودان لا يحققها العمل السري بعيداً عن العمل المؤسسي على طريقة النظام المخلوع، ثم أن السودان ليس ضعيفاً للدرجة التي تجعله يلهث خلف إسرائيل أو أي دولة أخرى عربية كانت أم أفريقية أو غربية، فهو مؤهل لبناء علاقات رسمية وواضحة تفتح لها الأبواب الأمامية .
السؤال المهم لماذا تسلل السيد برهان من أبواب السودان الخلفية، هل يعقل لقائد دولة أن يلتقي رئيساً دون علم حكومته، بل ودون علم حتى وزيرة خارجيته، إذاً من نظم الزيارة ومهد لها وخطط ورتب مادام الكل لا يعرف، ومن نصح برهان بسرية الزيارة؟ والله لو كنت مكان وزيرة الخارجية لقدمت استقالتي فوراً ولما انتظرت تبريراً من برهان، لأنه مهما تعذر ستكون أعذاره أقبح من الذنب، وبلا شك الرئيس الإسرائيلي تأكد له أنه أمام فريسة سهلة الصيد، وأخاف أن يكون قد تلاعب بمشاعر البرهان وحكى له عن علاقته القديمة بالسودان.
السؤال الأهم الذي يطرح نفسه هل رئيس الوزراء على علم بالزيارة، إن كان نعم أو لا في الحالتين الأمر ينم عن خلل كبير في الحكومة يجب أن يعالجه الشعب قبل أن يتعقد وينتج لنا بشير جديد، فهذه الخطوة تدل على أن السيد برهان يتمتع بعقلية دكتاتورية، وحقيقة هو لم يحسبها جيداً ولم يفكر في العواقب لدرجة أنه لم ينتبه إلى أن العالم أصبح (قرية) صغيرة لا أسرار فيها، فبعد اللقاء مباشرة كتب الرئيس الإسرائيلي يخبر شعبه ومنه سمع شعب السيد البرهان المسكين .
لماذا السرية، مما يخاف السيد برهان؟ من غضب العرب مثلاً وكلهم لديهم علاقات قوية مع إسرائيل ويستقبلون رئيسها بود ومحبة على عينك يا تاجر، أم خوفاً من الشعب السوداني الثابت على مبدأ العدالة ضد الظلم أياً كان الفاعل، حتى وإن كانت إسرائيل، أم هناك جائزة أعدت له.
يبدو أن السيد برهان لم يستوعب أن ثورة الشعب السوداني لم تكن بسبب ظلم وقهر وفساد النظام المخلوع فقط، بل وبسبب المتاجرة سراً بعلاقات السودان تحت لافتة مصلحة الشعب كما فعل هو، وإن كان صادقاً فيما يقول لماذا لا يعلن الأمر على الملأ ويظل وراء الشعب حتى يقنعه بجدوى هذه العلاقة، ولماذا لم يترك الأمر لوزارة الخارجية لتنسق بالطريقة التي تحفظ للشعب السوداني كرامته ومكانته ليتجاوز به مرحلة الانكسار والدونية واللهث خلف الدول، لماذا عدم الوضوح؟.
حقيقة ما قام به السيد برهان يثبت تماماً أننا لم نخلص من عقلية الكيزان المفطورة على اللف والدوران وعليه أن يعتذر للشعب ليثبت له سلامة نيته ويلتزم بعدم تكرار هذا الخطأ أو يستقيل وإلا فهو يثبت أنه (راقد ليه فوق رأي) وأنا أرجح هذا.
عموماً أياً كان الأمر فهذا إنذار جرس للشعب السوداني ونقول له اصحَ واستعد، ويجب على المجلس السيادي والحكومة وقوى الحرية والتغيير الانتباه، حتى لا تضيع الثورة ويتورط السودان كما تورطت مصر.