تكررت خلال المليونيات التي دأب الثوار على تنظيمها تباعاً رفضاً لانقلاب البرهان وتبعاته وتابعيه، تكررت عمليات نهب وسلب لموبايلات المتظاهرين، ينشط فيها بعض منسوبي القوات النظامية المشاركة في قمع هذه التظاهرات، وهي قوات تتألف من الجيش والشرطة والدعم السريع، وفي مليونية الأحد الماضي الحاشدة رصد ووثق عدد من الزملاء الصحافيين وغيرهم عمليات نهب وسلب موبايلات بعض المتظاهرين، وهذا والله عار وسبة يلحقها هؤلاء اللصوص والرباطة السفلة بسمعة القوات النظامية، فالشر يعم بينما الخير يخص حسب القاعدة العسكرية المعروفة، ولكن المؤسف أكثر أن قيادات هذه القوات لم تتحرى حول هذه الظاهرة لوقفها عند حدها بداية بفصل من تثبت عليه جريمة النهب، وكأنما هؤلاء القادة راضون ومباركون لهذا الفعل اللصوصي الذي يمارسه بعض مرؤوسيهم، ولعل مثل هذا التهاون والتساهل من القيادات هو ما أغرى منتسبيهم من الجنود بارتكاب جملة من الجرائم والتفلتات، تحضرني منها عملية بيع عناصر من القوة المكلفة بحراسة أحد المناجم آليات ومعدات التعدين التابعة للمنجم من وراء أصحابه..
إن مثل هذه الجرائم التي يضلع فيها من هو مكلف بدرئها ومنعها لا ارتكابها، يقول عنه مثل سائر (حاميها حراميها)، وهو مثل يطلقه الجمهور للسخرية من المسؤولين عديمي الضمير والاخلاق والأنظمة القائمة على الرشوة والاختلاس والسرقة، ومن الصدف الغريبة أن منشأ هذا المثل القديم يعود لجريمة نهب ارتكبها شرطي وفقاً لاحدى الروايات، وتقول تلك الرواية إن اثنين من الأتراك جاءا في العهد العثماني لزيارة قبر الإمام عبد القادر الكيلاني في وسط بغداد. خرجا من إسطنبول واجتازا بلاد الأناضول، وعبرا جبال طوروس سالمين آمنين، وباتا في مدينة الموصل بخير وبركة، ثم تركا المدينة، وانحدرا جنوبا. وحيثما حلا ونزلا لقيا من السكان ما يستحقان من الضيافة والإرشاد والطيبة، حتى إذا وصلا إلى منطقة العوجة المجاورة لمدينة تكريت خرج عليهما أهل القرية، ونهبوا كل ما كانا يحملان، غير أن هذين المسافرين التركيين طاردا واحدا منهم كان قد سرق كيس نقودهما. استطاعا بمساعدة أحد الجندرمة المحليين القبض عليه. واقتاده هذا الشرطي إلى السجن بعد أن ضربه ضربا مبرحا. ثم سار به إلى المستنطق، حاكم التحقيق، كما يقال الآن. رق قلب المستنطق لما شاهده من مصير هذين الزائرين المسلمين، ففكر في استرجاع شيء من مسروقاتهما، وإعادتها إليهما. فاختلى المستنطق باللص قاطع الطريق، وكلمه بلطف عارضا عليه إطلاق سراحه فورا حالما يعيد كيس الليرات الذهبية إلى الزائرين المسافرين. فأجابه اللص النهاب قائلا يا حضرة القاضي، والله العظيم لو كانت الليرات عندي لأرجعتها لصاحبيها مثل ما تأمر لكن الشرطي من قرية العوجة أخذها مني، فهز المستنطق رأسه، وقال (يعني صحيح حاميها حراميها). وسمع الناس بالحكاية وكلمات المستنطق، فشاع القول البليغ بينهم إلى يومنا هذا في العراق وفي السودان وغيرهما من بلاد الله، ويشار الى أن قرية العوجة المجاورة لمدينة تكريت، هي القرية التي انحدر منها صدام حسين وزمرته، وفيها قبره الآن..