بعد مرور أكثر من شهرين على الأحداث والجرائم التي ارتكبت في حق المتظاهرين السلميين، الذين خرجوا في مواكب غاضبة ورافضة لانقلاب الجيش على السلطة المدنية، أصدر بالأمس النائب العام المكلف مولانا خليفة أحمد خليفة قراراً بالرقم ( ٦٩/ ٢٠٢م ) خاص بتشكيل لجنة للتحري والتحقيق في الاحداث والانتهاكات الناتجة خلال المواكب منذ ٢٥ اكتوبر، وحدد القرار مهام واختصاصات اللجنة في التحري والتحقيق في وقائع وملابسات الأحداث والانتهاكات التي حدثت في ومابعد ٢٥ اكتوبر، والتي أدت الى قتل وإصابة عدد من المواطنين، وأي وقائع ذات صلة بالأحداث، كما شملت اختصاصات اللجنة التحري والتحقيق في الاحداث التي حدثت خلال المواكب وحصر الخسائر في الأموال والممتلكات العامة والقبض على المتهمين وتقييد بلاغات جنائية في مواجهتهم وتقديمهم للمحاكمة واستجواب كل من له صلة بالأحداث) .
وتشكيل لجنة للتحقيق في الاحداث أصبح قراراً روتينياً تتخذه الجهات العليا، لكنه لا يجد ترحيباً وقبولاً عند الذين ينتظرون تحقيق العدالة ، وذلك يرجع لعدة اسباب أهمها فقدان الثقة في اللجان التي يتم تشكيلها، وإنها تشكل فقط لتبدأ رحلة تحقيق طويلة الأجل شكلت لكي لا تنتهي مهمتها، كما إن الاحداث الأخيرة من قتل واستخدام السلاح الناري والأسلحة الثقيلة لمواجهة المتظاهرين يؤكد ان القوات الأمنية والشرطية وقادتهم، ليس لديهم نية في تغيير أسلوبهم العنيف مع الشارع الثوري وهذا يعني ان المواكب تخرج والسلطات تضرب وتصيب وقد تقتل ومن بعدها تشكل لجان تحقيق لمعرفة من الذي قتل.
فلطالما أن ثمة جهة تأمر باطلاق النار على المتظاهرين فما الذي يفيد من إلقاء القبض على المتهمين ، فالمتهم سيقدم للمحاكمة ولكن يبقى الذي يأمره بالقتل موجود في مكانه ومنصبه، الامر الذي يمكنه من اصدار قرارات أخرى باطلاق النار على مواكب قادمة وهكذا، كما ان لجنة نبيل أديب التي تحقق لأكثر من عامين في جرائم ومجزرة فض الاعتصام هي التي قتلت الثقة في مايسمى بلجان التحقيق، فهل ننتظر لجنة يشكلها النائب العام ام ننتظر لجنة أديب التي قبلها، وكم من الزمن تحتاجه لجنة النائب سيما انه لم يضع لها سقفاً زمنياً محدداً لنهاية تحقيقها.
كما ان تشكيل هذه اللجان كان يجب أن تسبقه قرارات وأوامر واضحة للقوات الأمنية بعدم تكرار ماحدث فالشرطة حتى مواكب الأمس تدخل في عمليات كر وفر مع بدء انطلاقة مليونية ١٣ ديسمبر التي دعت لها لجان المقاومة، وتستخدم الغاز المسيل للدموع ، كل همها الا يصل الثوار الى القصر الجمهوري ولكن لا يهمها ان أصيب الثوار او ماتوا ، وتنسى مهمتها في ان تقوم بتأمين المواكب حتى تصل نقطة معينة وتبعث برسالتها للمسئولين لكن هي لا تأتي للتأمين غايتها ان تنجح وتفلح في تفريق هذه المواكب.
وواصلت بالأمس الثورة بريقها وأينعت في مدن العاصمة الثلاث ، ونجحت لجان مقاومة الخرطوم شرق في تحديد وجهة مليونية امس صوب القصر الجمهوري، لكن الشرطة اعترضت عبورها، فيما عبرت الغالبية من ثوار بحري الى أمدرمان سيرا على الاقدام حسبما خططت لجان المقاومة منذ أمس الاول أي قبل المواكب بيوم، بحيث تنضم اليها لجان مقاومة الحاج يوسف حددت نقطة التجمع بشارع الإنقاذ تقاطع الشهيد محمد مطر.
لكن شهدت مواكب الأمس حملة اعتقالات واسعة طالت العشرات من الثوار في أمدرمان، وهذا واقع لا يبشر بجميل قادم انما يكشف عن اصرار السلطات على ملاحقة ومطاردة الثوار وربما يؤدي ذلك الى وقوع إصابات من جديد او غيرها من الاحداث المؤسفة لا قدر الله ،لهذا فإن حاجتنا للتعامل المتحضر من قبل قوات الشرطة والقوات الأمنية أكبر وأكثر من من حاجتنا لتشكيل لجان تحقيق الزائفة .