أثناء فترة اعتقالي الأخيرة… إنتهزت الفرصة لجمع معلومات عن (الثمن السياسي) الفادح الذي دفعه شعب السودان منذ الاستقلال.. وأقصد بالثمن السياسي.. كل مواطن سوداني أو مواطنة قضت ولو يوماً واحداً خلف جدران السجن.. وكل نقطة دم سالت أو أنفس علِّقت على حبال المشانق.. وكل موظف أو عامل فقد وظيفته. وكل طالب فصل من دراسته.. كم خسر السودان بحساب دقيق من هذه الإجراءات.. و كم ربح؟ بعبارة أخرى هل واقعنا السوداني اليوم يساوي ما دفع من أجله من الدموع والدماء؟
الأستاذ صديق يوسف قال لي أن مجمل سنواته في غياهب السجون فاقت الـ(11) سنة.. كثيرون آخرون أقل منه قليلاً.. كم عدد سنوات السجون بأسباب سياسية لكل السودانيين؟ رقم فلكي هائل.. بل كم عدد الذين فقدوا أرواحهم لأسباب سياسية.. في دارفور وحدها فقدنا أكثر من (300) ألف مواطن بريء..
كم عدد الذين أجتاحهم طوفان “الصالح العام” تلك العبارة المدلسة التي تتستر خلفها أكبر جريمة (فصل جماعي) لمواطنين سودانيين كل جريمتهم أن النظام (لا يحبهم)..
بصراحة لن تكتمل شروط هذه الثورة السودانية المجيدة إلا إذا رُدَّت لكل مواطن سوداني حقه المسلوب بأسباب سياسية.. كل من اعتقل أو فقد وظيفته أو تأثر في معاشه أو أسرته خلال النظام السابق يجب أن ينصف قانوناً وحقاً.. فالحقوق لا تسقط بالتقادم..
كل من فقد عزيزاً في حريق دارفور يجب أن يعوَّض عن خسارته مادياً وأدبياً وقانونياً.. وكذلك كل من تشرد في المعسكرات وفاته قطار التعليم أو الزواج أو العيش الكريم..
بغير هذا يظل التغيير السياسي مجرد انتقال بين العهود السياسية.. يجب ترسيخ مبدأ (الحقوق المترتبة على الظلم السياسي) حتى يدرك كل من يتولى منصباً سياسياً أن التغول على حقوق المواطن يترتب عليه حق قانوني أصيل غير قابل للسقوط بالتقادم..
ولمزيد من الإنصاف القانوني.. يجب أن يدفع هذه الحقوق كلها أو جزء منها من يرتكبون الجرائم والأخطاء في حق الشعب.. فما يقع في يد الحكومة حالياً من أموال قادة النظام السابق يجب أن تستخدم لصالح تعويض المتضررين منهم.. ليس لأن ذلك حق فحسب.. بل لترسيخ فكرة ومبدأ المسؤولية الشخصية عن الجرائم التي تستغل فيها آلة الدولة.. مهما كان نوع وحجم هذه الجرائم..
إذا أصدر والٍ أو معتمد أو وزير قراراً بهدم بيت مواطن ثم اتضح قانوناً أنه لا يملك هذا الحق وأنه ارتكب خطأ في ذلك فيجب أن يتحمل المسؤول لا الخزينة العامة تعويض هذا المواطن ..
حان الوقت لترسيم الحدود الفاصلة بين حق المواطن والدولة.. حتى لا يظل شعبنا ضحية قرارات حكومية ظالمة أو خاطئة يرتكبها مسؤولون يدركون جيداً إنهم غير محاسبين على ما يفعلون..