صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

كرامر ضد كرامر

12

للعطر افتضاح

د. مزمل ابو القاسم

كرامر ضد كرامر

* بعض ما يحدث في مسرح اللا معقول السياسي حالياً يبعث على الحيرة، ويثير الجنون، إذ أن منطوق الوثيقة الدستورية )ما ظهر منها وما بطن( يفرض على قوى الحرية والتغيير أن تنشط في استكمال هياكل السلطة الانتقالية، كي تعِّجل وتيرة التغيير الذي تنشده، وتحقق أهداف الثورة، في المدى المنظور على أقل تقدير.
* نعلم أن تغيير إرث سلطة تمكين عمرَّت ثلاثة عقود في بضعة شهور، أو في كامل الفترة الانتقالية غير وارد، إن لم يكن مستحيلاً، وندرك أن المهمة تتطلب عملاً كبيراً، وجهداً وفيراً، وتنسيقاً متواصلاً بين من دفعت بهم قوى الثورة إلى دهاليز الحكم، كي ينالوا إسناداً يمكنهم من إنجاز المهام المُوكلة إليهم، في فترةٍ انتقاليةٍ تعتبر الأطول في تاريخ الفترات الانتقالية بالسودان.
* السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في خضم الأحداث الحالية، مفاده لماذا تُصر بعض مكونات قوى الحرية والتغيير على ممارسة العزف النشاز، لتظهر الكيان الحاكم الذي تنتمي إليه بأنه متنافر تنظيمياً، وغير متسق داخلياً، وفاشل في إدارة شئونه بالحد الأدنى من التوافق والانسجام؟
* قرأت يوم أمس الأول تصريحاً للدكتور محمد ناجي الأصم، دعا فيه قواعدهم إلى مواصلة التظاهر في القضارف ونيالا وبقية الولايات، للمطالبة بإقالة الولاة العسكريين، وتسريع وتيرة التغيير، بادعاء أنه غير مرئي ولا محسوس في مؤسسات الحكم الولائية، وأن النظام القديم ما زال موجوداً في كل مفاصل الحكم الولائية، قارناً حديثه بالحض على الإسراع في إعادة هيكلة تلك المكونات، كي تتزامن مع ما يحدث من تغيير على المستوى الاتحادي.
* لنسأل الأصم، عن هوية الجهة المكلفة بتعيين ولاة الولايات أو حكامها، وعن تفكيك بنية النظام القديم في المركز والولايات، والسؤال منطقي، لأن مبلغ علمنا أن الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية منحت قوى الحرية والتغيير ممثلةً في رئيس وزرائها، د. عبد الله حمدوك حق إعفاء الولاة الحاليين جميعهم، وتعيين من يرغب فيهم أو من ترغب فيهم الجهة التي أتت به على الأصح، وقصرت سلطة مجلس السيادة في هذا الملف على )اعتماد( من يسميهم رئيس الوزراء لتولي شئون الحكم في الولايات.
* طالما أن السلطة المذكورة مُسندة بكاملها إلى قوى الثورة، وطالما أن تلك القوى تستطيع أن )تُسرِّع وتيرة التغيير( في التو واللحظة، لتجعله مرئياً ومحسوساً على صعيدي المركز والولايات في الحال، فما الداعي إلى دعوة الناس إلى مواصلة التظاهر، للمطالبة بأمر يمكن لمن يدعون أنصارهم للخروج إلى الشوارع أن ينجزوه بأنفسهم؟
* نفهم أن تمارس ذلك الحق جهات معارضة، لا تمتلك من الأمر شيئاً، وليس بيدها أن تنفذ ما تطالب به، لأنها لا تحوز سلطةً تمكنها من تحقيق مرادها، لكننا لا نفهم، ولا نستطيع أن نستوعب إصرار الحرية والتغيير على التظاهر ضد الحرية والتغيير، بطريقة الفيلم الأمريكي الشهير )كرامر ضد كرامر(.
* ما الذي يمنع من يمتلكون سلطة النهي والأمر كاملةً، أن يحولوا ما يطالبون به إلى واقع من فورهم، بدلاً من اللجوء إلى طريقة )أضانك وينها(، بسلوك الدرب العسير؟
* السؤال الأكثر إلحاحاً يتعلق بمسببات التلكؤ الذي تمارسه تلك القُوى في استكمال مجلس الوزراء نفسه، لأنه ظل منقوصاً من وزيري الثروة الحيوانية والبنى التحتية والنقل، برغم مرور ثلاثة أسابيع على إعلان حكومة حمدوك؟
* استجاب مجلس السيادة، أو فلنقل المُكِّون العسكري فيه إلى المطالبات المتتالية التي استهدفت إقصاء بعض الولاة العسكريين، وفعل ذلك ثلاث مرات محيلاً ضابطاً برتبة فريق وزميلين له برتبة لواء إلى الاستيداع، استجابةً منه لمطالب المحتجين، ونعتقد أن مواصلة الضغط على عسكر المجلس السيادة لإقالة المزيد من الولاة العسكريين )بالقطاعي( تحوي شططاً غير مبرر، وإصراراً غير منطقي على التقليل من قيمة شريك اختارت قوى الحرية والتغيير أن تقاسمه السلطة بمحض إرادتها، بخلاف ما تحمله تلك الإقالات المتتالية من تعامل غير كريم مع الجيش، الذي ساعد على إنجاز التغيير، وسهَّل لقوى الثورة بلوغ مرادها بإزاحة النظام البائد.
* نسأل دكتور الأصم: ما الذي يمنعكم من تغيير كل الولاة جُملةً وبقرارٍ واحد، لتأتوا بمن تريدون، وتنجزوا التغيير الذي تنشدونه، طالما أن تلك السلطة مكفولة لكم بالكامل؟
* فلتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها، كي تنجز ما يليها، وتستكمل نواقص حكمها، لتنقل البلاد من حالة الثورة إلى رحاب الدولة، بدلاً من اعتقالها في هياج غير مبرر، تثور به الحرية والتغيير على نفسها، وتهين بها جيشها، برغم وضوح تقصيرها، قبل أن تلقي اللوم على غيرها، بإسقاطٍ غريب وعجيب.
* نقول للأصم: أصلحوا حالكم، وقوموا اعوجاجكم، ولوموا أنفسكم قبل أن تثقلوا على غيركم.. فالتقصير يليكم، والعوج عوجكم

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد