في التاسع عشر من شهر ديسمبر الماضي ومن مدرسة صناعية بمدينة عطبرة شمالي السودان، اشتعلت شرارة ثورة عمت كل السودان، وأطاحت بنظام الكيزان، ومن ذات المدينة وفي الثالث والعشرين من إبريل، انطلق قطار صوب مقر اعتصام السودانيين بالقيادة العامة للجيش.
شق القطار صفوف المعتصمين الذين استقبلوه بالدموع والهتاف، وشكل قوة دفع للاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش بوسط الخرطوم، فتدافعت مدن السودان الواحدة تلو الأخرى صوب مقر الجيش بالعاصمة.
عرفت مدينة عطبرة باحتضانها لرئاسة هيئة سكك حديد السودان حتى أطلق عليها اسم مدينة الحديد والنار، وظلت المدينة حصنا ضد الأنظمة الشمولية الثلاث التي حكمت السودان. وعمد نظام الكيزان كثيرا لتدمير السكك الحديدية بالسودان التي تمتد خطوطها بطول 5898 كيلومتر، وتعرض الآلاف من أهالي عطبرة للتشريد من وظائفهم منذ مجيء نظام الإنقاذ مطلع التسعينيات.
وقد تحرك قطار عطبرة عشية اليوم الجمعة وذلك لحضور مراسم التوقيع النهائي لوثيقة الاتفاق بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي المقامة السبت بقاعة الصداقة بالخرطوم.
الرحلة التي ستستغرق 19 ساعة تقوم بالتنسيق ما بين قوى الحرية والتغيير بولاية نهر النيل وهيئة سكك حديد السودان، ستتوقف فيها عجلات القطار في مدن (شندي، الجيلي، الكدرو وشمبات) لحمل المزيد من المحتفلين ومن ثم سيصل ركاب القطار لموقف (جاكسون) بوسط الخرطوم للتوجه نحو ساحة الحرية، للمشاركة في الاحتفال.
وعرفانا للدور الكبير للمرأة السودانية في الحراك الشعبي الذي وضع حدًّا لنظام الكيزان، فقد تم تخصيص عربة مستقلة من القطار لـ”الكنداكات”.
وللقطار حضور طاغ على مجمل الحياة السودانية، فقد شكل عمال السكة حديد الذين توزعوا ولسنوات على محطات القطارت بمختلف أنحاء السودان لُحمة المجتمع السوداني.. ومن وقع عجلات القطار استوحى الكثير من الموسيقيين السودانيين ألحانهم، فيما مثلت مدينة عطبرة محطة للوطن الكبير لطالما غازلتها الأغنيات السودانية. ويأمل السودانيون في فتح صفحة جديدة لبلادهم بعد أن طووا ثلاثة عقود من الفقر والحرب فيما تأمل هيئة السكك الحديدية في استعادة عافيتها وتورد صافرات القطار أسماع أهل السودان بعد سنوات من الصمت والانقطاع.