* في خواتيم العهد البائد تصعَّد سعر الدولار حتى وصل (91) جنيهاً، وتخوَّف كثيرون أن يتجاوز حاجز المائة جنيه، فانعكس ارتفاعه سلباً على الأسواق، وسادها غلاء فاحش حتى في السلع المحلية، لأن من يتاجرون في المنتجات الوطنية يشترون سلعاً مستوردة، قفزت أثمانها وتضاعفت بلا ضابط ولا رقيب.
* مع نفحات العهد الجديد تراجعت أسعار العملات الأجنبية، لينزل الدولار تحت سقف السبعين جنيها، ومع ذلك استمرت موجة الغلاء، ولم ينعكس ذلك التراجع إيجاباً على الأسواق، بقدرما ازدادت أسعار السلع، وأقدم التجار على رفع أثمانها وهي قابعة في رفوفها، وبلغ سعر كيلو اللحم خمسمائة جنيه، مع أننا لا نستورد اللحوم من الخارج.
* الأمر نفسه حدث في سوق الأدوية، بغلاء ارتبط بفوضى عارمة، تسعِّر بها كل صيدلية على هواها، وسط غياب كامل لرقابة مجلس الأدوية والسموم، الذي انتفض على عهد مديره السابق الزين الفحل، ليفرض تسعيرة محددة لكل دواء، لكن مافيا الأدوية أفلحت في محاربته وإطاحته من منصبه، كي تفعل بالأدوية ما تريد، وتجني أرباحاً طائلة، برغم أنها تمنح الصيدليات مكافأة تصل نسبة مائة في المائة على بعض الأدوية، مما يدل على حجم الأرباح الهائلة التي تجنيها تلك الشركات على حساب المواطن المطحون بالمرض وغلاء الدواء.
* من أبرز مسببات ارتفاع أسعار السلع المستوردة الجشع الذي تمارسه الدولة نفسها في تعاملها مع المستوردين، حيث تفرض (17) رسماً على كل سلعة، وتجبرهم على دفع القيمة المضافة عدة مرات، في الموانئ والجمارك وعند التخليص والشحن وغيرها، قبل أن تثقل كاهلهم بضرائب عالية، يتم تقديرها جزافاً، فتنعكس سلباً على الأسعار.
* طن الأرز مثلاً يصل ميناء بورتسودان بأربعمائة دولار، ليبلغ سعره (28) ألف جنيه بالسعر الموازي، وعندما يصل إلى المواطن يقفز سعره ليصل (65) ألف جنيه للطن، بزيادة تفوق (230 %) من السعر العالمي، بينما يصل طن السكر بورتسودان بثلاثمائة وسبعين دولاراً، تساوي حوالي (26) ألف جنيه بالموازي، وعندما يصل المستهلك يباع بأربعين ألفاً، بزيادة تصل (65 %)، وطن العدس سعره العالمي (واصل بورتسودان) ستمائة وعشرة دولارات، تساوي بالموازي حوالي (43) ألف جنيه، ليباع بخمسة وسبعين ألفاً، بزيادة تبلغ مائة خمسة وسبعين في المائة عن السعر العالمي، والسبب كثرة الرسوم وفوضى الأسواق وغياب الرقابة الحكومية.
* إذن تسليم، رسوم جمركية (وارد وأرباح أعمال وقيمة مضافة ورسم إضافي وضريبة تنمية)، رسوم موانئ (رسم تنزيل ورسم تخزين)، الحجر الزراعي، المواصفات والمقاييس، الأغذية (وزارة الصحة)، حجر صحي، وقاية نباتات، رسوم تبخير، رسوم إدارية، رسوم محلية، رسوم ولائية، رسوم عبور طريق، دمغة سياحة، دمغة ولائية، دمغة دعم الطلاب، رسوم غرفة التوكيلات الملاحية، رسوم تنزيل حاوية، رسوم نقل حاوية، رسوم شركة، رسوم بنكية، وحاجات تانية تقفز بالسعر الذي تصل به السلع للمستهلك إلى عنان السماء، لتفرض غلاءً يطحن المواطن الغلبان بلا رأفة.
* نضع هذه الأرقام المؤلمة على طاولة رئيس الوزراء ووزير التجارة الجديد مدني عباس مدني، المواجه بتحدي ضبط الأسواق والرفق بالمواطن، لإزالة هذا العبء الكريه عن كاهله، وتقليص الرسوم الباهظة التي تفرضها الدولة على السلع الغذائية وغيرها، لتحجيم الغلاء، ومراقبة الأسواق، ومحاسبة الجشعين الذين لا يخشون الله في بيعهم، ولا يراعون في المواطن إلاً ولا ذمة