ومما نبّه إليه الأستاذ علي عثمان محمد طه خلال خطابه لمؤتمر الحركة الإسلامية بشمال كردفان أمس الأول )أهمية تحصين المجتمع السوداني( مما سماه بحملات )تستهدف تفكيك القيم السودانية السمحة(.
وهل من مسلم يؤمن بالله ورسوله ويعلم أبعاد الدور الإصلاحي الذي ينبغي أن يضطلع به للحفاظ على بيضة الدين من أن تنكسر لا يتفق مع دعوة شيخ علي ؟
نعم ، لا خلاف على ذلك سيما وقد تبرجت بعض مظاهر الخروج على قيمنا وتقاليدنا من خلال بعض فاقدي الحياء والأدب من شبابنا وفتياتنا جراء اختراق ثقافي كبير أتانا من تلقاء تقنيات التواصل الاجتماعي الحديثة التي اقتحمت علينا دورنا بدون استئذان وباتت تشاركنا في تربية أطفالنا بل أن الوقت الذي يقضيه بعض شبابنا وأطفالنا مع منتجات الإعلام الجديد بثقافاته الوافدة أكبر مما يقضونه مع أسرهم اللاهية أو الغافلة عنهم.
أكثر ما يخيف في ذلك الغزو الثقافي المصادم لهويتنا الثقافية أنه مفتون بنمط الحياة الغربية Way of life الذي اعتبره الغرب معياراً للسلوك المتحضر الذي ينبغي أن يندرج العالم أجمع في أطره الحضارية واستعان الغرب على فرضه على دول العالم الأخرى بمؤسسات الأمم المتحدة التي بدلاً من أن تعمل لى تبني ودعم التعددية الثقافية التي يزعمون أنهم من أنصارها اختارت فرض ثقافة واحدة هي التي ينبغي أن تسود وأخذت تسخر إمكاناتها وموازناتها للتبشير بها خاصة في العالم الإسلامي من خلال بعض الجامعات والمنظمات غير الحكومية والتنظيمات السياسية والأفراد.
معلوم أن ثقافة الدول المتقدمة هي التي تنتشر بقوة الدفع الهائلة التي يحركها إعصار التقنيات الحديثة وتطبيقات الإنترنت التي سرّعت من وتيرة الغزو الثقافي القادم من تلقاء الغرب وقد أسهمت الفجوة الرقمية المتزايدة بين عالمنا الإسلامي والعالم الغربي في جعلنا منطقة ضغط منخفض تهب عليها رياح التغريب المدفوعة بإلهاب الغرائز ودغدغتها عبر تلك التطبيقات والشبكات التقنية العابرة للقارات والمقتحمة للبيوت.
ذلك وغيره ما يبرر دعوة علي عثمان إلى تحصين المجتمع السوداني من ذلك السيل الجارف من العواصف المندفعة بقوة للتأثير على شبابنا وهو الدور الذي كان ينبغي أن تقوده الحركة الإسلامية لولا الكوابح التي عطّلت من انطلاقها والضعف الذي اعتراها وجعلها أثراً بعد عين.
رأينا نماذج مما ألمح إليه علي عثمان من سلوكيات خارجة على قيم المجتمع من خلال بعض ما بدر من فتيات )شباب توك( وفي تصرفات بعض الفتيات اللائي احتضنتهن بعض السفارات ودافعت عنهن بل ومنحتهن تأشيرات للغرب ولا أزال أذكر كيف استقبلت إحداهن من قبل وزير خارجية فرنسا بالأحضان والقُبل بل رأينا نماذج قبيحة من بعض الشباب المنحل وما قصة أولئك الشباب الذين داهمتهم شرطة النظام العام في شقة ببحري تتوسطها )حفرة دخان( -وكان بعضهم يلبسون فساتين نسائية – إلا نماذج لما يجري من عمليات تفكيك )منظم( من جهات كثيرة بعضها للأسف تحركه أحزاب وتنظيمات سياسية لا ترى مستقبلاً سياسياً لها إلا من خلال نشر الانحلال والتفسخ في المجتمع السوداني المسلم.
أعلم أننا لن نكون مجتمعاً ملائكياً لأن ذلك لم يحدث حتى في )الجيل القرآني الفريد( الذي رباه الرسول صلى الله عليه وسلم على أنفاس القرآن والذي كان يتنزل عليهم غضاً طريّاً متفاعلاً مع أحداث الدعوة ولكن هل أدينا نحن واجبنا تجاه شبابنا؟.
أقول قبل أن أختم إن مجتمعنا لا يزال بخير فقد والله أسعدني شهادة شاهد من إهلها ظللت أذكِّر بها من حين لأخر لبعث الأمل في الدعاة ، نشرها الأخ عثمان ميرغني الذي قال إن استفتاء أجرته صحيفته )التيار( في )مجتمع البنات حول قانون النظام العام كشف عن أن )80(% منهن يؤيدن ذلك القانون كما أن استطلاعاً آخر للرأي بين قراء صحيفة التيار أثبت أن أكثر من )95(% منهم أكدوا رغبتهم في بقاء قانون النظام العام مع إصلاح وسيلة تنفيذه(.
إذن فإن المجتمع السوداني لا يزال صامداً أمام محاولات طمسه وما التفاعل الاجتماعي الكبير الذي أدان )ومرمط( فتاة برنامج )شباب توك( إلا دليل على أن مجتمعنا لا يزال محافظاً على فطرته النقية ولكن إلى متى؟!
الآن والحركة الاسلامية )جناح المؤتمر الوطني( تشهد تفاعلاً قاعدياً للتمهيد للمؤتمر العام فإني لأطمع في أن يعود علي عثمان برمزيته التاريخية إلى القيادة من جديد وأؤكد له ولغيره أن ذلك أدعى إلى أن يلتف الجالسون على الرصيف وغيرهم من الذين انخرطوا في تنظيمات سياسية أخرى حول المشتركات التي كانت تجمعهم ذات يوم لاستعادة الدور التاريخي الدعوي للحركة الإسلامية حتى ولو اختلفت توجهاتهم السياسية فنحن مهمومون بتحصين مجتمعنا ولم تسقط الراية التي سقط في سبيلها أبناؤنا الذين تربوا على أيدينا ذوداً عن حياض هذا الدين الذي لن نستكثر عليه التضحية بالمهج والأرواح.
لقد ابتعد علي عثمان كثيراً عن العمل السياسي واختار دوراً اجتماعياً لكن الأقرب إلى شخصه أن يقود الحركة الإسلامية ، ليست التابعة للمؤتمر الوطني بل الصانعة له بالرغم من أنه )مرمطها( في التراب .. فهل تعود الحركة إلى دور مستقل تنأى فيه بنفسها ، ولو قليلاً ، عن الوطني في إطار مراجعة فكرية تحدد العلاقة بين الحاءات الثلاثة )الحركة والحزب والحكومة( بحيث لا تتحمل أوزار الأخطاء الكارثية للحزب والحكومة؟