(1)
علي محمود حسنين الرجل الذي كان في نقاء اللبن الحليب ونصاع الثوب الأبيض.. كان في صفاء الطفل القرير… في نفس الوقت كان في قوة جلمود الصخر… شكيمته لا تنكسر وعزيمته لا تعرف التراجع وحساباته لا تقبل الخسارة.
مواقفه واضحة …لا التباس فيها … وعقيرته مرتفعة وقامته واقفة… لا يعرف الانحناء ولا الحلول البين بين.
كان واضحاً يبدو كعلي محمود حسنين.. فليس هناك من يشبّه به في هذا الموقف أكثر من نفسه.. يبعد عن منطقة الحياد … ولا يتأخذ اللون الرمادي جسراً للتواصل.
(2)
علي محمود حسنين عرف حقيقة الإسلاميين وهو طالب في جامعة الخرطوم فاختلف معهم وخرج منهم ليكون أقوى من عارضهم.
ناهض كل الأنظمة العسكرية، ولم يسلم من الاعتقال والمطاردة والتشريد في كل الأنظمة الشمولية والعسكرية، ووصل في صراعه معهم حد الحكم عليه بالإعدام في فترة مايو والتهديد بالقتل في فترة البشير.. واعتقل في فترة عبود (3) مرات، واعتقل فترة قاربت نصف فترة حكم جعفر نميري، واعتقل لمدة (3) سنوات في فترة الانقاذ لأنه كان أشجع الرجال وأعلن من الداخل تأييده تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية، فهدده النظام الباطش بالقتل.
قال لكل الأنظمة المستبدة (لا)، ووقف وحيداً أمام عواصفها، دون حتى أن يكون له سند حزبي قوي يسنده، في الوقت الذي كان لا توجد فيه خيارات امام الجميع غير ان يقولوا (نعم).
خيارات الاجابة كلها كانت نعم او نعم.
علي محمود حسنين هو الرجل (الموقف).. كان ينطلق من مواقفه القوية.. كانت هي سنده.. وهي سلاحه الذي يقاتل به.
يمثل لوحده كتلة صمود ومواقف.. لم يكن في حاجة لحزب أو قوة خارجية لتدعمه أو تعاونه.
ظل كما هو .. بهذا عرف غير قابل للتبدل أو التراجع أو الانكسار.
(3)
أحسب علي محمود حسنين من الصالحين.. وهو يرحل من هذه الدنيا في يوم مبارك هو يوم الجمعة وفي أيام مباركة ونحن ندخل في العشرة الأواخر لشهر رمضان المبارك.
أحسبه رجلاً صالحاً بإذن الله وأمره… وهو يعود للبلاد بعد (10) سنوات قضاها في المنفى الاختياري في لندن.. عاد ليقبّل تراب الأرض، وليبل شوق نضاله والنظام الذي صارعه وحاربه وأمر بقتله يسقط.
نعم هذا صنيع لا يحدث إلّا للصالحين .. فقد عاد ليموت في بلاده.. صلت عليه في أرض الاعتصام امام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة جموع لا حصر لها ولا عدد… شيّع من تلك الارض التى قصدها عند العودة واتى اليها من مطار الخرطوم قبل أن يذهب إلى بيته… ثم قبّر في أم درمان.. الأرض التى تمثل لنا السودان بكل تفاصيله وطباعه وثقافاته … وتضاريسه ومناخاته.
مثل هذه الخاتمة .. تحدث فقط للصالحين.
(4)
إذا كان البطل محمد عيسى كوكو هو شهيد المتاريس التي صمد أمامها في (8) رمضان ليفارق الحياة يوم (10) رمضان، فإن علي محمود حسنين هو فقيد المتاريس، فقد كانت مواقفه هي (المتاريس) التى تحتمى بها المعارضة السودانية في كل صراعاتها ضد الانظمة الشمولية والاستبدادية.
تعلموا منه أدب المعارضة… وتشربوا من مواقفه القوة والإرادة والعزيمة والإصرار.
كان وهو في الثمانين في حيوية ذلك الشاب ذي العشرين عاماً.. الذي خرج محتجاً على النظام ووقف أمام مليشياته حارساً لمتاريس الاعتصام… حتى استشهد وهو يهتف (حرية.. سلام.. وعدالة.. ومدنية خيار الشعب).
حكمته لم تجعل حماسه يخفض .. وعقلانيته لم تطف جذوة ثورته المشتعلة.
هو حالة لوحده.. يمثل بمفرده كل حراك الثورة … ويعبر عن كل أماني الجيل.
اللهم ارحمه واغفر له.. وتقبله قبولاً يليق ببركات هذا الشهر المبارك .. فقد كان الرجل حتى آخر لحظة في حياته يناضل من أجل الوطن.
لا توجد لحظة في حياة الرجل… تخلو من النضال.. فهو نضال من نضال.
اللهم اسكنه فسيح جناتك، فقد كان علي محمود حسنين مشرداً ومنفياً ومطارداً ومعتقلاً ومهدداً معظم سنوات حياته.