صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

على عتبة الانتقالية

11

حاطب ليل

عبد اللطيف البوني

على عتبة الانتقالية

(1)
في أكتوبر 1964م انحاز الجيش للثورة الشعبية، عندما أعلنت القيادات الوسيطة (من ضمنهم النميري)، أنه لن يُنفِّذ أوامر المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يترأسه الفريق عبود وعبره ترأس الدولة، وكانت الأوامر تَصدر من وزير الدفاع حسن بشير, التقطت القفاز جبهة الهيئات التي كانت المُحرِّك للثورة فشَكّلت مجلس وزراء وأعطته كل الصلاحيات السيادية والتنفيذية والتشريعية، ثم فطنت الأحزاب الأخرى لسيطرة الحزب الشيوعي على الجبهة، فأطاحت بمجلس الوزراء عن طريق الضغط الشعبي، فأخذت النصف الثاني من السنة.
أما انحياز الجيش للثورة الشعبية في أبريل 1985م، فتمثل في أنّ قيادات الجيش بدءاً بوزير الدفاع سوار الدهب وقادة كُل الأسلحة, اجتمعوا وقرّروا عزل الرئيس نميري الذي هو القائد الأعلى للقوات المُسلّحة وكوّنوا المجلس العسكري الانتقالي، وتفاوضوا مع التجمُّع النقابي الذي كان المُحرِّك للثورة.
(2)
قاد التفاوُض من الجانب العسكري اللواء عثمان عبد الله وآخرون، ومن التجمُّع الدكتور عدلان الحاردلو والمهندس عوض الكريم محمد أحمد وآخرون، استطاع اللواء عثمان أن يقنع الجانب الآخر بأنهم رغم أنّهم ضباط عظام، وأنهم كانوا مع نميري حتى آخر لحظة، وأنهم لولا الثورة الشعبية لما تخلوا عنه، ولكنهم مع ذلك أنهم الآن في قطيعةٍ كاملةٍ مع نظام نميري، وأنهم مع الثُّوّار جادون في تصفية آثاره التي يَرَى الثُّوّار وجوب تصفيتها، وبالمُقابل كان قادة التجمُّع مُدركين لحالة البلاد (أزمة اقتصادية, جون قرنق يتأبط سلاحه, عزلة دولية) فكسبوا الوقت فأعطوا العساكر الجانب السيادي واكتفوا بمجلس الوزراء أي الجانب التنفيذي، وأصبح التّشريع شراكة بين المجلسين دون حاجة لبرلمان.. لقد قلّلوا مهام الفترة الانتقالية وجعلوا مُهمّتهم تصريف أعمال وإجراء انتخابات، كما اختصروا زمنها لعامٍ واحدٍ فكانت كما خُطِّط لها تماماً، وأن هناك ثمة فشلاً فهو في الفترة التي أعقبت الانتقالية.
(3)
الآن اليوم العلينا 12 مايو 2019 أي بعد تسعة وثلاثين عاماً، تعيش بلادنا ذات الظرف السياسي، ولكن لا سوار ذهب ولا عثمان عبد الله ولا حاردلو ولا عوض الكريم لها، فالمطلوب من المجلس العسكري أن يقنع قوى إعلان الحُرية والتّغيير أنّهم وإن كانوا “ضباطاً عظاماً” مع البشير بحكم التدرُّج المهني، إلا أنّهم مع التّغيير السِّياسي قلباً وقالباً، طالما أنّ التّغيير أتى بإرادةٍ شعبيةٍ قويةٍ وكاسحةٍ، وأنّهم على استعدادٍ للعمل معهم على إزاحة الغطاء عن أيِّ عملية فساد ومُعاقبة المُفسد واسترداد أيِّ جنيه سُلب من هذا الشعب، وأنّهم سوف يتقدّمونهم لرد أيِّ مَظلمة وقعت، وجبر أيِّ ضرر حَدَث والبيان بالعمل كما تقول العقيدة العسكرية.
وبالمُقابل، على قوى الحرية والتغيير توحيد كلمتها، وتوحيد وفدها التفاوضي، وترتيب أجندة التفاوض، فإن كان العساكر حكموا بحكم الأمر الواقع، فإنّ قوى الثورة هي التي تضع الأجندة لأنّها هي التي أحدثت التغيير.. على الطرفين إحكام النواحي الإجرائية للتفاوُض وإبعاده عن السبهللية ولا بأس من مُسهِّلين وطنيين.. أكرر وطنيين!
(4)
من الأهمية بمكان أن نُخفِّف من أعباء الفترة الانتقالية ولا نحمِّلها فوق طاقتها، فثلاثون عاماً من الحكم السابق فترة طويلة صنعت واقعاً جديداً يصبح فيه دفع المَضار مقدماً على جلب المنافع كما يقول عُلماء الأُصول، فالفترة الانتقالية فترة إزالة أنقاض وكشف المكان، أما البناء فهو في الفترة التي تعقب الانتقالية، وإن كنت شخصياً يائساً من نجاح أيِّ فترة ليبرالية تقليدية قادمة وهذه قصة أخرى، فمن فضلكم أكسبوا الزمن، وأدخلوا الفترة الانتقالية، ودعونا نَتَرحّم على سوار الذهب وأستاذنا عدلان الحاردلو، ونسأل الله العافية وطُول العُمر للواء عثمان عبد الله والباشمهندس عوض الكريم محمد أحمد.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد