:: الشكر لله ثم لمركز كارتر على النجاح.. فاليوم تُعلن وزارة الصحة الاتحادية عن خلو القلابات من )عمى الأنهار(.. ومنطقة القلابات الحدودية مع أثيوبيا هي أولى المناطق الحدودية – في العالم – التي يتوقف فيها سريان عدوى عمى الأنهار، وكانت المنطقة إحدى بؤر المرض في إفريقيا والسودان.. ويأتي هذا النجاح بعد ثلاث سنوات من إعلان منطقة أبوحمد خالية من ذات المرض، حيث احتفلت وزارة الصحة ومركز كارتر بالنجاح في العام )2015(.
:: ومن محاسن الصدف أن يتم الإعلان عن نجاح المكافحة بالقلابات بالتزامن مع احتفال العالم باليوم العالمي للبصر.. سنوياً، تختار الدول يوماً للاحتفال بالبصر، بحيث يكون اليوم حدثاً صحياً لنشر التوعية وثقافة الكشف ومراجعة الطبيب.. ولكن للأسف، فاليوم العالمي للبصر بالسودان لا يحتفل به إلا المسؤولون بوزارة الصحة وبرنامج مكافحة العمى، وليس الإعلام والمجتمع.. ذكرى الانقلابات العسكرية، وغيرها من المناسبات السياسية، هي التي تروق للناس والإعلام في بلادنا.
:: ومركز كارتر الذي يكافح عمى الأنهار في بلادنا، من منظمات المجتمع المدني غير ربحية.. أسسه – في عام 1982 – الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر وحرمه.. ومن يُشكل مجلس أمناء مركز كارتر هم بعض رجال المال والعلماء وقيادات سياسية وعسكرية متقاعدة، وبعض الشخصيات البارزة في المجتمع الأمريكي، وبعض أهل الخير من كل بقاع الكون.. ويهدف مركز كارتر إلى تحسين حياة بعض الناس في أكثر من سبعين دولة، منها بلادنا.
:: وفي العام 2002، فاز مؤسس المركز – كارتر – بجائزة نوبل للسلام.. وليس كارتر فقط، بل لمعظم مشاهير الغرب – في مختلف ضروب الحياة – مشاريع خيرية تستلهم أهدافها من )تجاربهم الخاصة(.. وعلى سبيل المثال، لأشهر علماء الطب النفسي، الدكتور فيل، مؤسسة خيرية تعمل في مجال صحة الطفول.. ولنجم كرة السلة كوبي براينت منظمة تعمل في مجال دعم ورعاية الأسر المتعففة.. أما نجم موسيقى الروك جون جوفي، فله مؤسسة خيرية يساهم ريعها في توفير الغذاء للمتشردين.. وهكذا.
:: وفي الحرب العالمية الثانية، كان اللورد ليونارد شيشر ضابطاً في الجيش البريطاني.. وبعد أن تقاعد، لم يفكر في تأسيس شركة خاصة أو شغل وظيفة )معتمد أو سفير(.. بل تذكر سنوات الحرب القاسية، ثم رأى أن أزمنة السلام بحاجة إلى أفكار تخدم البشرية وسلام مجتمعاتها.. ثم أطلق السراح لفكرة دار شيشر لتأهيل الأطفال المعاقين )مجاناً(.. وانطلقت الفكرة من بريطانيا وانتشرت دور شيشر في الدول المصابة بداء الحرب والفقر والجهل، ودار شيشر التي بالخرطوم تحمل هي رقم )250(.
:: قارن أفكار ما بعد تقاعد الساسة والجنرالات في الغرب بأفكار ما بعد تقاعد الساسة والجنرالات في بلادنا.. هناك الأفكار سامية، وتتجاوز ظلالها الوارفة المنافع الذاتية إلى تظليل كل البشرية، أينما كانت، بلا أي تمييز للون أو العرق أو الدين.. ولكن هنا أفكار قدامى الساسة والمحاربين إما )خاملة( أو محض مكاسب ذاتية باستغلال النفوذ السابق.. ولذلك، قدرنا أن ننتظر مركز كارتر أيضاً ليكافح لنا عمى الأنهار في )خور يابوس( و)الردوم(، أي كما فعل في القلابات وأبوحمد.