التوقف عن الكتابة في بعض الأحيان أفضل من الكتابة نفسها، والغياب رغم قساوته إلا أنه يتضاءل أمام الإحساس بأنك تمارس التضليل على عقول القراء الذين يؤمنون بالفكرة والمبدأ والعقل لصاحب القلم، وربما يثير التوقف عن الكتابة تساؤلات عدة، فهناك من يعزوها للضجر والملل وهناك من يعتقد انها نتيجة إحساس الكاتب بالإرهاق الذهني او الشلل الفكري او نضوب معينه.
ولكن الشئ المؤكد أن التوقف عن الكتابة غيبوبة للروح والعقل والجسد، قد نستسلم لها بشكل مؤقت وندخل في موت ذهني سريري، أو كما قالت أمل القاسم، نفقد فيه اتصالنا بالعالم المحيط بنا، وقد نستسلم لهذا الموت استسلاماً كاملاً، وننسحب بكل هدوء عن كل ما حولنا ومن حولنا، أو نقاوم هذه الغيبوبة ونستيقظ منها ولو بعد حين ونستعيد روحنا مرة ثانية، رغبة منا في البقاء والحياة والاستمرارية، لأننا نستحق أن نعيش ونحيا الحياة رغم كل ما فيها من مرارة.
وقد يتوقف الكاتب عن الكتابة حين يُمتحن الكاتب في إنسانيته، تتراكم عليه الآلام والأحزان، تلجمه الأحداث القاتلة، يقف عند حافة الوجع متفرجا. ولكن تبقى العودة إلى الكتابة مثل العودة للحياة، هي فرصة ثانية يحق علينا إقتناصها بحب وإصرار لنعيشها أفضل مما سبق، ونقدم أفضل وأجمل ما لدينا ولكل من حولنا، حتى وإن إختلف معنا البعض.
أعود اليوم قافزة على كل الأحداث التي شهدتها بلادي، من إخفاقات وإحباطات وغياب للرؤية في كثير من الاحيان، ولكن (لابد من صنعاء وإن طال السفر).
شعبنا الذي نال لقب (أجمل وأصدق ثائر)، يستحق أن يعيش حراً كريما أبياً، ورغم رأيي السالب جدا والرافض لفكرة تواجد قوى إعلان الحرية والتغيير مع المجلس العسكري في طاولة واحدة وحكومة واحدة، و(هذا رأيي منذ بداية الثورة)، إلا انها السياسة التي تفرض علينا القبول بما لا تستسيغه ذائقتنا ولا تقبله آدميتنا، وبما اننا محكومين بمجتمع دولي وإقليمي كان لابد من الوصول لإتفاق وسط يعيد الحياة للأسر التي أنهكها الترقب والإنتظار، لست مع الرأي الداعم لفكرة أن الحرية والتغيير قوى شغب سياسي وفوضى كما يحاول البعض وصمها. ولكن يبقى السؤال ملحَا، لماذا إلتزام الصمت تجاه المواطن في كل ما يتعلق بمستقبله؟
الشفافية هي كل ما يطلبه الشعب السوداني بعد غياب ثلاثين عاماً عن وضعه في مكانه الطبيعي (شعبا مالكا لقوته وقراره).
لم يعد سراً حالة الضجر والتململ والتمرد في بعض الأحيان التي تنتاب المواطن نتيجة تدني مستوى الخدمات من كهرباء ومياه ووقود وغاز طبخ وبؤس خدمات صحية وتعليمية وغيرها من خدمات لم تعد متاحة رغم تطمينات المسؤولين يومياً بذلك للأسف.
وفي كل الأحوال (نهواك يا سودان)، وكما ظللنا نردد دوما.