عادت الكهرباء لعادتها القديمة، كما ريما في المثل الشعبي المعروف، حيث تمددت وامتدت ساعات انقطاع الكهرباء الى اثنتي عشر ساعات كاملات وربما أزيد، بعد أن كان قدأ طرأ شيئا من التحسن في الامداد الكهربائي خلال الأشهر الماضية، وكان أقصى زمن للقطوعات لا يتجاوز الساعات الثلاث، ولكن للأسف بدلا من أن تتحسن الخدمة الى الأفضل اذ بها تتراجع وتتدهور الى الأسوأ على أيام الانقلاب الكالحة هذه، والمفارقة ان هذا التدهور المريع حدث في فصل الشتاء الذي يفترض أن تتحسن فيه الخدمة كما هو معروف، ولعل هذه المفارقة العجيبة هي ما جعلت أحد الساخرين يعلق على هذا الوضع المقلوب و(المجوبك)، مخاطباً البرهان قائد الانقلاب (رجعونا محل لقيتونا)، باعتبار أن خدمة الكهرباء كانت أفضل كثيراً قبل الانقلاب على ماهي عليه بعده، وعبارة (رجعونا محل لقيتونا)، عبارة شعبية شهيرة قيلت في عهد النظام البائد الذي كان يدعي أنه انما جاء لينقذ البلاد، غير انه نهبها ودمرها وأوصلها الحضيض، ليهب الشعب ويسقطه بثورة ديسمبر المجيدة، بينما تنسب رواية أخرى هذه المقولة الذائعة، للدكتور فاروق كدودة (رحمه الله) المعروف بلماحيته وتعليقاته الذكية الساخرة، وتقول الرواية ان الدكتور فاروق كدودة قال متهكما على(الكيزان) بروحه المرحة عند اعتقاله (انتو بس ورونا جيتوا تنقذوا منو ومن شنو)، ثم أردف (انتو بس رجعونا محل ما لقيتونا)..
عن هذه القطوعات المتطاولة تقول ادارة الكهرباء أنها بسبب النقص الكبير في الفيرنس علاوة على توقف البارجة التركية عن امداد الكهرباء لعدم سداد استحقاقاتها الدولارية، وبالطبع لم يكن نقص الفيرنس بسبب شح فيه وانما لعجز الحكومة الانقلابية عن توفير مبلغ استيراده الدولاري، فالميناء حافل بالسفن المحملة بالاف الاطنان منه، وكذا الحال بالنسبة للبارجة التركية التي لم توقف خدمتها لعطب أصابها وانما لعجز الحكومة عن دفع حقوقها المالية عليها، اذن هو فلس الحكومة الذي تسبب في هذه القطوعات غير المحتملة التي قابلها المواطنون بسخط واستياء واسع، وقد صدق ذلك الساخر الذي قال للبرهان (رجعونا محل لقيتونا)، فقد تسبب الانقلاب في تجميد كل المنح المبذولة للسودان من امريكا ومؤسسات التمويل الدولية بل حتى برنامج ثمرات تم تجميده، هذا غير تجميد اعفاء الديون، وغيرها من مضار اقتصادية تسبب فيها الانقلاب، وقد صدق ايضا صاحبنا الساخر لأن خدمة الكهرباء كانت أفضل كثيرا قبل الانقلاب، رغم اغلاق الناظر ترك بايعاز وحماية من عسكريي الانقلاب للموانئ والطريق القومي وتوقف عمليات الاستيراد للوقود بمختلف أنواعه وخلافه من مواد وسلع،، فليس من المعقول ان تنقطع الكهرباء لأكثر من اثنتي عشرة ساعة تمتد من ساعات الصباح الأولى والى مغرب اليوم، ما يعني التوقف شبه التام للعمل والانتاج، وتأثيرات ذلك السالبة على الاقتصاد الكلي، سواء كان ذلك على مستوى الصناعة ودوائر الانتاج كافة ووقف حال وأعمال كل الحرفيين، وتعطيل كافة الخدمات الضرورية والحيوية وخاصة في المستشفيات..