* بينما كانت محكمة جنايات الخرطوم على وشك الانتهاء من محاكمة شركات الدواء الوهمية المتهمة بالاستيلاء على مبالغ قيمتها حوالى 230 مليون دولار مخصصة لاستيراد الدواء، صدر قرار مفاجئ فى أكتوبر الماضى باحالة القضية الى محكمة الفساد، وهو ما أثار الكثير من الأسئلة وعلامات الدهشة، فالقضية كانت فى نهايتها، فلماذا تُحال الى محكمة أخرى تنظر فيها من جديد!!
* الوكيل السابق لوزارة العدل والمحامى المعروف )عبد الدائم زمراوي( إستنكر فى تصريحات صحفية هذا الإجراء، وقال انه كان ينبغي أن يصدر قرار من رئيس القضاء بالاستمرار فى القضية التى قطعت شوطا كبيرا إلى حين الفصل النهائى فيها وعدم إحالتها إلى محكمة الفساد، داعيا لتسريع إجراءات النظر فيها!!
* كما دعا الخبير المصرفى والمدير العام الأسبق لمجموعة بنك النيلين )عثمان التوم(، إلى إجراء محاكمة عاجلة للشركات المذكورة لتورطها في التلاعب بالنقد الأجنبي، وإستخدامه في أغراض أخرى غير التي خصصت له، مشيرا إلى أن المحاكمة العاجلة “تقتضيها ظروف البلاد الحالية وشح النقد وارتفاع أسعار الأدوية، ما يستلزم تسريع المقاضاة واسترداد النقد الأجنبي الذي تم الاستيلاء عليه بالكامل”.
* شغلت هذه الجريمة الرأى العام أكثر من خمسة أعوام بسبب تورط نافذين ومصرفيين ورجال أعمال كبار فى استغلال مبالغ ضخمة من حصيلة الصادرات غير البترولية المخصصة لاستيراد الأدوية لأغراض أخرى، وشهدت الكثير من الشد والجذب والغموض ومحاولات )الغتغتة( والاقوال المتناقضة من بينها حديث لوزير العدل الاسبق )عوض الحسن النور( أمام المجلس الوطنى عن عقد تسويات )بأوامر سيادية( مع الشركات والجهات المتورطة، بينما نفى رئيس إتحاد الصيادلة السابق )صلاح سوار الذهب(، حدوث تلك التسويات، وقال فى تصريحات صحفية إن الشركات المتورطة ليست شركات أدوية، وإنما تنتحل هذه الصفة مؤكدا: “نحن ماعندنا تسوية، وتم تقديم ملفات الـ32 شركة المتورطة الى القضاء الذي سيباشر إجراءاته في مواجهتها”.
* تعود القصة الى عام 2013، عندما أصدر بنك السودان قراراً حظر بموجبه )34( شركة أدوية من التعامل المصرفي كلياً لمخالفتها المنشور الخاص باستغلال نسبة )10%( من الصادرات غير البترولية المخصصة لاستيراد الأدوية )قُلصت لاحقا الى 32 شركة(، واتضح فيما بعد وجود مافيا ضخمة في عدة مؤسسات، ساهمت في الاستيلاء على المال العام وتخصيصه لأغراض غير استيراد الدواء واستغلاله لتحقيق منافع شخصية، ورغم ذلك ظللت القضية ترواح مكانها، وكلما تقدمت خطوتين الى الأمام، تراجعت عشر خطوات الى الوراء، وها هى الآن تعود الى المربع الأول !!
* تخيلو .. خمسة أعوام بأكملها ولم تحسم بعد جريمة واضحة المعالم ، ظلت تتأرجح بين الأقوال المتناقضة والغموض وبطء الإجراءات، والتنقل بين المحاكم .. ولا يدرى أحد ماذا يدور فى الخفاء !!